بقلم: السيد نبيل الحسني.
لم يزل منهاج أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في صناعة الإنسان وتهذيب النفس قائم على الإيمان باليوم الآخر، وترجيحه على بقية المناهج التي أعتمدها علماء الأخلاق كالرياضات النفسية، والتأنيب، والترغيب، والصد، والحث، والعمل بالضد، وغيرها، مع ملاحظة أنّ كثيرا من هذه المناهج قد كشفت عنها الروايات، وحثت عليها النصوص الشريفة ولاسيما كتاب نهج البلاغة، كقوله (عليه السلام):
«وإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى، لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الأَكْبَرِ»[1].
ومن ثمّ: فقد قدّمَ (عليه السلام) عِبْرَ العهد الشريف منهاج الإيمان باليوم الآخر على بقية المناهج في التعامل مع النفس وتهذيبها ومنه قوله (عليه السلام) لمالك الأشتر:
«فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ».
أولاـ معنى الذخيرة.
وَرَدَ لفظ الذخيرة في المعاجم اللغوية بمعنى: الاختيار والاتخاذ والادخار (واذَّخَرَه اذِّخاراً: اختاره، وقيل: اتخذه، وكذلك اذَّخَرْتُه، والذَّخِيرَةُ: واحدة الذَّخائِر، وهي ما ادُّخِرَ؛ قال:
لَعَمْرُكَ ما مالُ الفَتَى بِذَخِيرَةٍ، ولكنَّ إِخْوانَ الصَّفَاء الذَّخائِرُ
وكذلك الذُّخَرُ، والجمع أَذْخارٌ.
وذَخَرَ لنفسه حديثاً حَسَناً: أَبقاه، وهو مَثَلٌ بذلك)[2].
لكن السؤال ما هو الباعث الذي يدفع النفس إلى اَختيار الأشياء وإبقائها لنفسه وبها يكون بناء ذاته ونجاته في اليوم الآخر؟ جوابه في ثانياً.
ثانياً - الحب هو الباعث للنفس في ادخار الأشياء.
إنّ الأمر الوارد في النص العلوي الشريف يحث على اختيار العمل الصالح واَتخاذه للبقاء في اليوم الآخرة، لكن هذا الاختيار يلزمه التنّوع فيما بين يديَّ الإنسان من ذخائر، ويلزمه الحب.
بمعنى: أنّ الدافع النفسي الباعث على اختيار الإنسان للأشياء وابقائها يرتكز على حبه لها وإلا فبدون الحب لا يختار الإنسان الأشياء فيبقيها لنفسه ولاسيما إذا وجد فيها منفعة أو ثمنا كبيرا أو نفاسة وندرة، وهو أمر تسالمت عليه الفطرة الإنسانية في اختيار الأشياء وابقائها للنفس والاحتفاظ بها، بل كلما تعاظمت نفاسة الشيء وغلا ثمنه وفائدته تعلق به الإنسان واحتفظ به لنفسه.
وعليه: كيف يكون ثمن الشيء الذي يحقق للإنسان السعادة الأبدية والنجاة من الأهوال والمخاطر والعذاب الأبدي، وكيف سيكون حب الإنسان له؟.
ومن ثمّّ كي يتمكن الإنسان من تنمية ذاته وتطوير قدراته النفسية فلا بد له من النية الصادقة والعزم الجاد والإرادة الحقيقة والنقية من الأوهام وخداع النفس، ويتوجه إلى حب العمل الصالح فهو خير ما يذخره الإنسان لنفسه[3].
الهوامش:
[1] نهج البلاغة: ومن كتاب له (عليه السلام) الى عثمان بن حنيف.
[2] لسان العرب، ابن منظور:ج4 ص303
[3] لمزيد من الاطلاع، ينظر: فقه صناعة الإنسان ، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي(عليه السلام) لمالك الاشتر(رحمه الله) ، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق ، السيد نبيل الحسني، ص176- 178/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة ، ط 1 - دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م.