بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
قال الإمام (عَلَيْهِ السَّلَام): ((لَئِن وُلِّيتُ بني أمِيَّة لأنفُضَنَّهم نَفْضَ القصّاب التِرابَ الوَذِمَة)) ([1]). وذكر ابن سلام عن قول الْأَصْمَعِي: ((سَأَلَني شُعبَة عَن هذا الْحَرف فَقلت: لَيْسَ هوَ هَكذا إِنَّما هُوَ نفض القصّاب الوِذامَ التَّربة))([2]). التركيب الغريب الذي ورد في قوله (التِراب الوَذِمَة)، والتِّرَاب جَمْعُ تَرْب تَخْفِيفُ تَرب، والتِّراب: أَصل ذِراعِ الشّاةِ، أُنْثَى، والوِذام واحدتها وذَمة وَهِي الحُزَّة من الكَرِش أَو الكبِد ([3]). قوله (عليه السلام) في معرض التهكم والتوبيخ لبني أمية (لأنفُضَنَّهم نَفْضَ القَصَّاب التِّرَاب الوَذِمَة). يُرِيدُ اللحُوم الَّتِي تعَفَّرت بسُقوطِها فِي التُّرَابِ، والوَذِمَة المُنْقَطِعة الأوْذَامِ، وَهِيَ السُّيُور الَّتِي يُشَدُّ بِهَا عُرَى الدَّلْوِ([4]).و((الترب والتراب واحد،... يقال: طعام ترب إذا تلوث بالتراب))([5]). والمقصد من كلامه (عليه السلام) (لأنْفُضَنَّهم نَفْضَ القَصَّاب التِّرَاب الوَذِمَة) استعارة لتفريق شملهم والتنكيل لهم فالوذام هي القطع من الكرش واحدتها وذمة، والتربة التي تقع على الأرض-كما ذكرها اصحاب الغريب- فإذا نفضها القصاب تناثر التراب منها اسرع ما يكون وأقصاه عنها. وقوله (عليه السلام) التراب الوذمة فهو في غايتي الفصاحة والبلاغة، وهذه الاستعارة دالة على أنه مبالغ في قطع الدابر منهم، واستئصال الشأفة بالتفريق لجموعهم. وفحوى كلامه (عليه السلام) ((يقول لئن وليتهم لأُطَهِرنَّهُمْ مِنَ الدَنَس ولأذيبنهم بعد الخبث)) ([6]) كما تطهر اللحوم التي تعفرت بالتراب)([7]).
الهوامش:
([1]) غريب الحديث: ابن سلام: 3/438، الدلائل في غريب الحديث: 2/668، الغريبين في القرآن والحديث: 6/1985، النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/185، لسان العرب: (ترب)1/230، تاج العروس: (ترب)2/71.
([2]) غريب الحديث: ابن سلام: 3/438-439، وبنظر: تهذيب اللغة(ترب)14/195،15/22، والمحكم والمحيط الأعظم (ت رب): 9/480، غريب الحديث: ابن الجوزي: 2/462، ولسان العرب: (وذم)12/632، وقال ابن سيدة في محكمه (وتَرِبَ تَرَبًا: لَزِقَ بالتُّراب). (ت رب)9/479.
([3]) ينظر: المحكم والمحيط الأعظم: (ت رب)9/479، والنهاية في غريب الحديث الأثر: 1/185، ولسان العرب: (ترب)1/230.
([4]) ينظر: الغريبين في القرآن والحديث: 6/1985، وغريب الحديث: ابن الجوزي: 2/462، والمجموع المغيث في غريبي القرآن الحديث: 1/223، والنهاية في غريب الحديث الأثر: 1/185،5/172، ولسان العرب: (ترب)12/632، وتاج العروس: (ترب)2/71.
([5]) تهذيب اللغة(ترب)14/195.
([6]) الغريبين في القرآن والحديث: 6/1985.
([7]) مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص184-185.