مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة السابعة عشر: آلية اَختيار الإنسان للأمور وأثرها في تنمية الذات.

مقالات وبحوث

مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة السابعة عشر: آلية اَختيار الإنسان للأمور وأثرها في تنمية الذات.

49 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 27-02-2025

بقلم: السيد نبيل الحسني.

قال (عليه السلام) في جمّلة أوامره لملك الأشتر (رحمه الله):
«ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ».

يسير أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) مع مالك الأشتر عبر عهده إليه لما ولاه مصر بوضع منهاج تربوي واخلاقي يرتكز على تنمية القدرات النفسية ، وبناء الشخصية القيادية، وللوقوف على معنى قوله (عليه السلام)  – موضع البحث – فلا بد من الابتداء بالمعنى اللغوي للوسطية، ثم نتبعها ببيان الحاجة إلى هذه الآلية ، أي الوسطية وأثرها في تنمية القدرات النفسية.

أولاً: معنى الوسط في اللغة.
قال ابن منظور في بيان معنى الوسط: أن «وسَطُ الشيء: ما بين طرَفَيْه.

وأنّه قد يأْتي صفة، وإِن أَصله أَن يكون أسماً من جهة أَن أَوسط الشيء أَفضله وخياره كوسَط المرعى خيرٌ من طرفيه، وكوسَط الدابة للركوب خير من طرفيها لتمّكن الراكب؛ ولهذا قال الراجز:

إِذا ركِبْتُ فاجْعلاني وسَطا.

ومنه الحديث: «خِيارُ الأُمور أَوْساطُها»؛ ومنه قوله تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}؛ أَي على شَكّ فهو على طرَف من دِينه غيرُ مُتوسّط فيه ولا مُتمكِّن، فلما كان وسَطُ الشيء أَفضلَه وأَعْدَلَه جاز أَن يقع صفة، وذلك في مثل قوله تعالى وتقدّس:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}؛ أَي عَدْلًا، فهذا تفسير الوسَط وحقيقة معناه وأَنه اسم لما بينَ طَرَفَي الشيء وهو منه»[1].
 قال ابنُ بَرِّيّ: «وأَمّا الوَسْطُ، بسُكُونِ السِّين، فهُوَ ظَرْفٌ لا اسْمٌ ، جَاءَ على وَزانِ نَظِيرِهِ في المَعْنَى وهُوَ بَيْنَ ، تَقُولُ : جَلَسْتُ وَسْطَ القَوْم ، أَي بَيْنَهُمْ . ومنه قَوْلُ أَبي الأَخْزَرِ الحِمّانيّ :
* سَلّو لو أَصْبَحْتِ وَسْطَ الأَعْجَمِ
أي بَيْنَ الأَعْجَمِ»[2] .
وبناءً على ما تقدم من البيان لمعنى الوسط في اللغة فأن الحديث الشريف يكشف عن المعنى الأول أي أن يكون أحب الأمور: أعدلها وخيرها وأبينها.

ثانياً: موارد الحاجة إلى الوسطية.
يرشد النّص الشريف إلى اعتماد آلية في اختيار الأمور حينما تعرض على الإنسان فيحتار في أخذ القرار إذا رجح لديه كلاهما، وهو أمر لطالما يمر به الإنسان ولاسيما إذا كان في موقع القرار والمسؤولية؛ وهذه الآلية التي أمر بها أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك الأشتر وغيره من المسلمين الذين يدينون لله بإمامته (صلوات الله عليه) هي اعتماد الحب والوسطية، بمعنى: أن يكون أمر الترجيح وضابطته ، هي: تقينين الحب عِبْر الوسطية.

بمنعى آخر: أن العلة في الترجيح بين الأمور هو كونهما في الحق ولولا ذلك لما احتار الإنسان في القرار، أي لو كان أحدها في الحق والأخر في الباطل لانعدم الاختيار ، وذلك لظهور الباطل في أحد الأمرين، أو أن يكون الإنسان بين أمرين كلاهما في الحق، كالحث على طلب العلم وطلب الرزق والتفاضل بينهما أو التنّفل بالصيام والقيام وقوة البدن في التكسب والإنفاق على العيال والتوسعة عليهم، وغيرها من مواضع الابتلاء والاختبار في الورع والتقوى والإنصاف.
 ومن ثمّ يحتاج الإنسان إلى آلية تُنجيه من الوقوع في المحذور، فكانت هذه الآلية هي ترويض النفس على أن تحب الأمور التي يكون أوسطها في الحق كي يتمكن من تنمية ذاته وتطوير قدراته النفسية[3].

الهوامش:
[1] لسان العرب، ابن منظور: ج7 ص428
[2] تاج العروس ، الزبيدي: ج10 ص446
[3] لمزيد من الإطلاع ، ينظر : فقه صناعة الإنسان ، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي(عليه السلام) لمالك الاشتر(رحمه الله) ، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق ، السيد نبيل الحسني، ص179- 201/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة ، ط 1 -  دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2675 Seconds