الدنيا في كلام له (عليه السلام): فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة

مقالات وبحوث

الدنيا في كلام له (عليه السلام): فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة

289 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 22-04-2025

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

قال عليه السلام:
يَا أَحْنَفُ ، كَأَنِّي بِهِ وَقَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ وَلَا لَجَبٌ، وَلَا قَعْقَعَةً لُجُمٍ، وَلَا حَمْحَمَةً خَيْلٍ، يُثِيرُونَ الْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ([1]) .

يومئ بذلك إلى صاحب الزنج، ثم قال (عليه السلام):
وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ الْعَامِرَةِ، وَالدُّورِ الْمُزَخْرَفَةِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النُّسُورِ، وَخَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الْفِيَلَةِ، مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لا يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ، وَلَا يُفْتَقَدُ غَائِبُهُمْ، أَنَا كَابُّ الدُّنْيَا لِوَجْهِهَا، وَقَادِرُهَا بِقَدْرِهَا، وَنَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا([2]).

شرح الألفاظ الغريبة:
اللَّجَبُ: الصباح: اللجم: جمع الجام، وقعقعتها ما يسمع من صوت اضطرابها بين أسنان الخيل: الحمحمة: صوت البرذون عند الشعير؛ سكك: جمع سكة: الطريق المستوي: أجنحة الدور: رواشنها، وقيل : إن الجناح والرّوْشَن يشتركان في إخراج الخشب من حائط الدار إلى الطريق بحيث لا يصل إلى جدار آخر يقابله، وإلا فهو الساباط، ويختلفان في أن الجناح توضع له أعمدة من الطريق بخلاف الرّوْشَن: الخراطيم : الميازيب تطل بالقار([3]).

الشرح:
هذا الفصل من خطبة له (عليه السلام) بالبصرة بعد وقعة الجمل ذكرنا منها فصولاً فيما سبق. والخطاب مع الأحنف بن قيس لأنه كان رئيساً ذا عقل في قومه، وكان اسمه صخر بن قيس بن معاوية بن حصن بن عباد بن مرة بن عبيد بن تميم؛ وقيل: اسمه الضحاك، وكنيته أبو بحر، وبسببه كان إسلام بني تميم حين دعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يجيبوا، فقال لهم الأحنف: إنه يدعوكم إلى مكارم الأخلاق وينهاكم عن ملاعبها فأسلموا، وأسلم الأحنف وشهد مع علي (عليه السلام) صفين ولم يشهد الجمل مع أحد الفريقين، والضمير في قوله : كأني به لصاحب الزنج واسمه علي بن محمد علوي النسب والجيش المشار إليه هم الزنج، وواقعتهم بالبصرة مشهورة وأخبارهم وبيان أحوالهم وتفصيل واقعتهم يشتمل عليها كتاب منفرد في نحو من عشرين كراسة فليطلب علمها من هناك.

وأما وصف ذلك الجيش بالأوصاف المذكورة فلأن الزنج لم يكونوا أهل خيل ولا جند من قبل حتى يكون بالأوصاف المشار إليها، وإثارتهم التراب بأقدامهم كناية عن كونهم حفاة في الأغلب سائرين بالأقدام فهي من [اعتياد الحفاة خ ل ] باعتبار الحفاء ومباشرة الأرض بالخشب ونحوه فكانت مظنة إثارة التراب عوضاً من حوافر الخيل، ووجه شبهها بأقدام النعام أن أقدامهم في الأغلب قصار عراض منتشرة الصدور ومفرقات الأصابع فهي من عرضها لا يتبين لها طول فأشبهت أقدام النعام في بعض تلك الأوصاف.

ثم أخبر بالويل لمحال البصرة ودورها المزوقة من أولئك، واستعار لدورها لفظ الأجنحة، وأراد بها القطانيات التي تعمل من الأخشاب والبواري بارزة عن السقوف كالوقاية للمشارف والحيطان عن آثار الأمطار وهي أشبه الأشياء في هيئتها وصورة وضعها بأجنحة كبار الطير كالنسور، وكذلك استعار لفظ خراطيم الفيلة للميازيب التي تعمل من الخوص على شكل خرطوم الفيل وتطلى بالقار يكون نحواً من خمسة أذرع أو أزيد تدلى من السطوح حفظاً للحيطان من أذى السيل أيضاً، وهي أشبه الأشياء في صورتها بخراطيم الفيلة.

وأما وصفه لهم بأنه «لا يندب قتيلهم ولا يفتقد غائبهم»:
قال بعض الشارحين: ذلك وصف لهم بشدة البأس والحرص على الحرب والقتال وأنهم لا يبالون بالموت ولا يأسفون على من فقد منهم.
وأقول: والأشبه أن ذلك لكونهم لا أصول لهم ولا أهل لأكثرهم من أم أو أخت أو غير ذلك تمن عادته أن ينوح ويندب قتيله، ويفتقد غائبه لكون أكثرهم غرباء في البصرة فمن قتل منهم لا يكون له من يندبه ومن غاب لا يكون له من يفتقده.

وقوله: «أنا كاب الدنيا لوجهها»: إشارة إلى زهده فيها، وتنبيه على فضيلته، يقال: كببت فلاناً لوجهه إذا تركته وما التفت إليه، وقادرها بقدرها: أي معامل لها بمقدارها، ولما كان مقدارها حقيراً عنده كان التفاته إليها التفاتاً حقيراً حسب ضرورة البقاء فيها، وكذلك «ناظرها بعينها»: أي معتبرها بالعين التي ينبغي أن تعتبر بها الدنيا من كونها غرارة غدارة حائلة إلى غير ذلك من أوصافها، وأنها مزرعة الآخرة وطريق إليها غير مطلوبة لذاتها، وبالله التوفيق([4]) .)([5]).

الهوامش:
([1]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ۳: ۱۳۱ - ۱۳۲ في شرح الكلام له رقم ١٢٤.
([2]) نهج البلاغة الصبحي صالح: ١٨٥ - ١٨٦ من كلام له (عليه السلام) رقم ۱۲۸ نهج البلاغة للشيخ العطار: ٢٤٦ - ٢٤٧ / من كلام له (عليه السلام) رقم ۱۲۸، وشرح نهج البلاغة لابن ميتم ٣: ١٣٦ - ١٣٧ /من كلام له (عليه السلام) رقم ١٢٦، ونهج الشيخ محمد عبده ١: ٢٦٢ - ٢٦٣.
([3]) شرح الألفاظ الغربية: ٦٢٣.
([4]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 137-138/ شرح كلام له عليه السلام رقم 126.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 297-300.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3120 Seconds