القضايا الكلامية والتأملات الكونية كما تبدو في نهج البلاغة القضايا الكلامية المتعلقة بالعقيدة: أولاً- الخالق

مقالات وبحوث

القضايا الكلامية والتأملات الكونية كما تبدو في نهج البلاغة القضايا الكلامية المتعلقة بالعقيدة: أولاً- الخالق

262 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-06-2025

بقلم: د. جليل منصور العريَّض

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

 

أما بعد:
تتفق جميع الفرق الإسلامية على أن معرفة الله سبحانه وتعالى، هي ركن الإيمان الاساسي والاول، فالفرق بين المسلم والكافر شهادة «أن لا إله إلا الله» وتقتضي تلك الشهادة معرفة حقيقية بالخالق. وعلى الرغم من أن هذه المعرفة من الأمور التي يمكن للإنسان الاهتداء إليها بفطرته من خلال تأملاته فيما حوله من ابداعات كونية، الا انها قد تزعزع ايمانه وتؤدي به إلى مهاوي الكفر والالحاد، فيما لو حاول قياس ما اهتدى إليه من معرفة، بنفسه ككائن مقتدر له من الصفات والمزايا والطاقات ما يشعره بالتفرد وتقديس الذات، مما يجعله يلغي من ذاكرته وجود إله قادر، وقد يؤدي به فكره إلى المقارنة بين الموجودات وموجودها إما عن جهل، وإما عن مكابرة لشعور بتضخم الذات، وفي كلتا الحالتين يطلق على الله سبحانه وتعالى أوصافاً حسية، وقد عرض علي (عليه السلام) إلى قضية الصفات ضمن كثير من نصوص النهج يمكننا من خلالها استخلاص فكره في هذا الجانب.

صفات الخالق في فكر علي (عليه السلام):
يبدو أن علياً(عليه السلام) قد سلك نهجاً فكرياً واحداً فحواه نفي كل الصفات التي تخطر على بال العبد، أثناء تصوره للخالق جل شأنه لقوله أن «كمال الإخلاص (الله) نفي الصفات عنه»([1]) وينبني فكره ذاك على أن الصفات المتخيلة لا يمكن أن تكون إلا للأعراض التي تمكن الناظر إليها من مقارنتها بما حوله من مرئيات، فالتصدي لوصف ذات الخالق سبحانه يعني مقارنتها بتصورات مشابهة لها، فتبني على ذلك نتائج خطيرة تنفي فكرة التوحيد أساس العقيدة الأول، وفي هذا المجال يقول علي(عليه السلام) «فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه، فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده»([2])، فالملاحظ أن المقولة مبنية على أسباب تؤدي إلى نتائج فكرية طبيعية بسيطة، مصوغة في قوالب بعيدة عن أية تعقيدات فلسفية، لأنها تأخذ من واقع المستمع إليها أمثلة للبرهنة عليها، مع وضع الثقافة الدينية للمتلقي في الاعتبار، وهي في نهايتها تقول بالتوحيد.

التوحيد كما يمكن إدراكه من فكر علي (عليه السلام):
تتفق جميع الفرق الإسلامية على أن التوحيد، هو الركن الأول في العقيدة الإسلامية، بشهادة قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) «بني الإسلام على خمسة. على ان يوحد الله، واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج»([3]) ويرى الشيعة الإمامية ان قول كلمة التوحيد بإخلاص وصدق تدخل الجنة، ويروون في ذلك عدة احاديث نبوية منها قوله(صلى الله عليه وآله) «من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله عز وجل»([4]). وقد وضعت بعض فرق المرجئة التوحيد في مرتبة سامقة جعلته كل الإيمان ومنتهاه «وان العبد إذا مات على توحيده لا يضره ما اقترف من الآثام واجترح من السيئات»([5]). وفي اعتقادنا ان علياً (عليه السلام) هو أول من فصل القول في التوحيد بعد ان كان مجملاً في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، إذ كان معناه مقصوداً على الشهادة بالوحدانية، وعدم الشرك بالله)([6]).

الهوامش:
([1]) خطب ـ 1ـ فقرة 1.
([2]) المصدر السابق نفسه.
([3]) صحيح مسلم ـ 1/45.
([4]) الصدوق ـ التوحيد ـ ص 28.
([5]) الشهرستاني ـ الملل والنحل 1/140.
([6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 506-508.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.6497 Seconds