الشيخ سجاد عبدالحليم الربيعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وبعد:
الحديث عن أخلاقيات العمل السياسي هو حديث عن أخلاق العمل الإسلامي في فكر أمير المؤمنين (عليه السلام), ولا يخفى على القارئ الكريم الدور الذي اضطلعت به الأخلاق السياسية لأمير المؤمنين (عليه السلام ) ومدى تأثير هذه الاخلاق الرفيعة التي كان يتحلى بها (عليه السلام) على الواقع السياسي للعالم الاسلامي.
وأهل السياسة على ما يبدوا في فكره (عليه السلام) على نحوين، الأول: سياسي لنفسه والآخر :سياسي لعقيدته ووطنه وشعبه، ولا يخفى أن الأول ليس هو السياسي الذي يريده الإمام (عليه السلام), فهو يريد من السياسي أن يعطي الاولوية القصوى لمصالح شعبه ورسالته.
فما أحوج مجتمعاتنا الإسلامية الى هذا النموذج من الفكر الأصيل في الاعتماد على المبادئ الأخلاقية والسلوك الصحيح القويم في احترام المجتمع والحفاظ على حقوقه, يقول (عليه السلام) (احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك)[1].
وقد ورد ذلك المعنى في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ومنه قوله تعالى: ((خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ))[2], ((وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))[3]. إشارة إلى مضامين الرسالة السماوية وهو تعليم محاسن الأفعال ومكارم الأخلاق والخصال الحميدة فقال: ((خُذِ الْعَفْوَ)) أي: خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم، وتسهّل من غير كلفة، ولا تداقّهم، ولا تطلب ما يشقّ عليهم حتّى لا ينفروا من العفو الَّذي هو ضدّ الجهد والمشقّة ومنه: قوله (عليه السلام): (يسّروا ولا تعسّروا وبشرّوا ولا تنفّروا)[4].
فالأسلوب الأخلاقي في العمل السياسي الذي تبناه أمير المؤمنين (عليه السلام) يعد خطوة في وضع الحدود ورسم الأخلاق لمختلف مجالات الحياة الفردية والاجتماعية, ولا يمكن أن يترك مجال في العمل السياسي فارغاً من آداب وضوابط وحدود.
فالأخلاقيات في العمل السياسي في فكر أمير المؤمنين (عليه السلام) هي جزء من الدين، وهي من المصاديق التطبيقية للنظرية الاسلامية بعناوينها المختلفة. فأخلاقيات العمل السياسي عملية تنظيمة في تصحيح مسارات السياسة الاسلاميه , وهي على ما تبدوا في فكره(u) ليست شيئا آخر وإنما هي تصوير للمسألة الدينية وتطبيق الشريعة المقدسة, وهذا ما يؤكده (عليه السلام) في طبيعة قيادة الأمة وهدايتها للصلاح, وفي هذا الصدد يقول(عليه السلام) لأهل البصرة (فإن أطعتموني فإني حاملكم إن شاء الله على سبيل الجنة ، وإن كان ذا مشقة شديدة ومذاقة مريرة)[5], ويقول في موضع آخر في الغرر والدرر (جمال السياسة، العدل في الإمرة، والعفو مع القدرة)[6].
وتجلى ذلك في الأسلوب الذي سلكه أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أصحاب الجمل فقد عفا عنهم، بعدما ظفر عليهم وفيهم الرؤساء كمروان وعبد الله بن الزبير وأمثالهما وعلى رأسهم عائشة مع ما سبّبوه من قتل لكثير من المسلمين.
وقد أكد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكارم الأخلاق فقال) :إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وعلى ذلك فنحن حينما نتحدث عن أخلاقيات العمل السياسي إنما نتحدث عن منهج الدين في مجال العمل السياسي وتنشيط الحركة السياسية وفق المنهج العلوي. الذي يعتمد الأساليب الأصولية الأخلاقية الواضحة في ممارسة العمل السياسي وإدارة الأمة على وفق القانون الإسلامي, الذي يؤدي إلى النتائج الصحيحة في القيادة الإسلامية الحكيمة الملتزمة بالنية الخيرة والعمل البار والأسلوب الواضح الذي يرسم معالم الطريق الصحيح, من دون غدر وتحيل وخداع, فأخلاقيات العمل السياسي ليست مثلما يتصورها بعضهم قضية دهاء وسذاجة، بل هي قضية فجور من جهة وتقوى من جهة أخرى. يقول (عليه السلام) في حقيقة كشف المؤامرة (والله ما معاوية بأدهى مني لكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس).
فلو استعمل الإمام علي (عليه السلام) سياسة الدهاء والغدر والمكر والخديعة لنجح في الحكم الزمني، أي بسط النفوذ على الثغور الإسلامية بكاملها، ولنجح في قمع المعارضة، لأن طبائع الناس لا تستجيب إلاّ للغدر والقهر والسيف والظلم، لكن هذه الأساليب تنفي العصمة والعصمة منحة إلهية.
فيتحصل مما ذكرناه أن اخلاقيات العمل السياسي في فكر أمير المؤمنين (عليه لسلام) لا يمكن أن تنفصل أو تبتعد عن الأخلاق الإسلامية العامة كالصبر, والصدق, والعدل, والإحسان والمرؤة,... بل تبدو مترابطة مع العمل السياسي وعلى ذلك فإن معايير أخلاقيات العمل السياسي تكون من المبادئ الاعتقادية الراسخة .
الهوامش:
[1] تصنيف غرر الحكم : 106 .
[2] ـ سورة الاعراف, الآية: 199 .
[3]ـ سورة فصلت, الآية: 36 .
[4] ـ معالم الدين وملاذ المجتهدين ( قسم الفقه ),حسن بن زين الدين العاملي,1 /29 .
[5] ـ نهج البلاغة, خطب الإمام علي ( ع ), 2 /47 .
[6] ـ الغرر والدرر 3 / 375 ، الحديث 4792 .