بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ناصر الحق ومخزي الباطل، وصلى الله على نبينا محمد سيد المرسلين، وعلى آله الأخيار المنتجبين. وبعد:
رغم المشاغل الكثيرة في الأمور السياسية والاجتماعية التي مر بها الإمام (عليه السلام) أثناء مسيرته العسكرية مع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وبعد وفاته وكذلك عند توليه الخلافة، وتركت كل الاستراتيجيات التي خطط لها وحزم على تنفيذها على المشركين طابعا إيجابيا في نفوس المسلمين، تدل فيما تدل على موسوعيته العلمية بفنون الحرب وقابليته في هزيمة العدو على مختلف الأصعدة ومنها الحرب الإعلامية.
فقد بث (عليه السلام) الرعب في قلوب المشركين وجعلهم ينكسرون من خلال الغزو الإعلامي حيث جعل الإمام (عليه السلام) يبعث ببعض التابعين له للمشركين لإثارة الفزع والخوف في الجيوش الكافرة أدى في النتيجة إلى الشلل الكامل لما كانوا يسمعون بالقوة الحربية والعسكرية عند المسلمين.
وقد كتب الإمام (عليه السلام) إلى معاوية نصًّا يقول فيه: (( وأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ، أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ، وقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ وسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا، فِي أَخِيكَ وخَالِكَ وجَدِّكَ وأَهْلِكَ (وما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ))[1].
يقول ابن ميثم البحراني: الإرقال: ضرب من السير السريع. والجحفل: الجيش العظيم. والساطع: المرتفع. والقتام: الغبار. والسرابيل: القمصان. والنصال: السيوف[2].
فهذه الكلمات التي تحدث بها الإمام (عليه السلام) أدخلت معاوية وجيشه في حالة من الخوف والفزع مع العلم إنه لم يرَّ جيش الإمام (عليه السلام) ولكن من خلال ما يتضمنه كتاب الإمام (عليه السلام) من جنبة إعلامية جعلته يرجع كثيرًا من الخطوات للخلف.
لذلك أخذ القادة والصحابة والتابعين الى الإمام (عليه السلام) يبثون حقيقة قوة جيش الإمام (عليه السلام) وعظمته، وعقيدته الراسخة التي يتحلى بها جنده، وهذه الاستراتيجية تهدف إلى إثارة الرعب والفزع في صفوف العدو، وكذلك نرى في كلام له (عليه السلام) لمصير طلحة والزبير: ( والله لا يلقاني بعد اليوم الا في كتيبة خشناء[3] يقتلان فيها أنفسهما ، فبعدا لهما وسحقا)[4].
نرى الإمام (عليه السلام) قد بانت خبرته وتجربته في كثير من الحروب التي خاضها وتمكن فيها من القضاء على رؤوس الفتن والشرك ونرى كذلك ارساله كتاب توبيخ الى معاوية يقول فيه: (ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لينزل بك ما ينزل بالشاق العاصي الباغي)[5].
لذلك أستعمل أمير المؤمنين (عليه السلام) الإعلام الحربي كوسيلة من وسائل الرعب والتهديد على الفئات التي خرجت عن طاعته وهذه الاستراتيجية كانت موجود كذلك في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليرهب بها الأعداء فنرى في بيان عظمة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومنزلته من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حمل الإمام للراية في خيبر، إذ يقول: (لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار)[6].
لذلك أعتمد (عليه السلام) على الحرب الإعلامية في كثير من المعارك لما لها من دور كبير في تحقيق النصر، وهذا ما نراه في وقتنا الحاضر.
[1] - نهج البلاغة: خطب الإمام علي ( ع ) ( تحقيق صالح ) ص319.
[2] - شرح نهج البلاغة: ابن ميثم البحراني: ج4 ص436.
[3] - الكتيبة الخشناء: أي (الكثيرة السلاح). العين: الفراهيدي: ج4 ص170.
[4] - شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، ج1 ص233.
[5] - الأخبار الطوال: ابن قتيبة الدينوري، ص163.
[6] - الاحتجاج: الطبرسي، ج1 ص406.