الباحث محمد حمزة عباس
الْحَمْدُ لله وإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ، والْحَدَثِ الْجَلِيلِ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله لَا شَرِيكَ لَه، لَيْسَ مَعَه إِلَه غَيْرُه، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه (صلى الله عليه وآله).
وبعد ...
إن الذي عنده علم الساعة وعلم ما كان وما سيكون، علم أن كربلاء ستكون حرم الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) حيث يدفن فيها سيد شباب أهل الجنة مع ثلة من آله وأنصاره فينصب له سبحانه في تلك البقعة علما يكون سبباً للنجاة والفوز في الدنيا والآخرة.
يروى عن قدامة بن زائدة عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، عن عمته زينب، عن أم أيمن، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) - في حديث طويل - وفيه: أنه ذكر له جبرئيل (عليه السلام) قصة شهادة أبي عبد الله (عليه السلام) - إلى أن قال: (ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار، ولم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية، فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق، وسببا للمؤمنين إلى الفوز)[1].
فسبحانه وتعالى رسم للحسين هذا الطريق ليُخلد اسمه ويكون ذلك المكان مزاراً وأرضاً تتبرك فيها العباد يتوجهون إلى الله بهذا الحرم المبارك الذي أودعه سبحانه جسد ابن بنت نبيه (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
فعبر هذه القبة المباركة يصعد الكلم الطيب وتكون مهبط الأنبياء والملائكة والرسل ففوج يهبط وفوج يصعد وعن طريق هذه الأنوار الساطعة تتنزل على المؤمنين بركات السماء وينزل النصر بفضل الحسين بن علي (عليهما السلام) وبفضل تلك الدماء التي سالت بكربلاء.
روى صاحب كتاب العوالم عن المفيد بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لما سار أبو عبد الله (عليه السلام) من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة، فسلموا عليه، وقالوا: يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه، إن الله سبحانه أمد جدك بنا في مواطن كثيرة، وإن الله أمدك بنا، فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها وهي كربلاء، فإذا وردتها فأتوني، فقالوا: يا حجة الله مرنا نسمع ونطع، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك؟ فقال: لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.
وأتته أفواج مسلمي الجن، فقالوا: يا سيدنا نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بأمرك وما تشاء فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاهم الحسين (عليه السلام)، خيرا، وقال لهم: أوَ ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[2]، وقال سبحانه وتعالى {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}[3]، وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس؟ وبماذا يختبرون ؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء ؟ وقد اختارها الله تعالى يوم دحا الأرض، وجعلها معقلا لشيعتنا، ويكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة)[4].
وفي رواية أنه (عليه السلام) قال لأم سلمة إني مقتول لا محال والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها ثم أشار إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا، وسلمت أمره إلى الله[5].
فالحسين (عليه السلام) كان عالما بمصرعه منذ عهد رسول الله ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) فهو كجده وأبيه لا يهاب الموت ولا يخشى سوى الله وهو القائل (فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما)[6]. لذا اختير لهذه المهمة التي بها يزلزل الله عروش الظالمين فمن أرض كربلاء تعلو كلمة (لا للظلم) ومن قبة الحسين (عليه السلام) تثور الأحرار وقد رأينا ذلك بأعيننا حينما هجم أعداء الله من الدواعش على العراق فمن قبة الحسين صدرت الفتوى الجهادية فهبت الأحرار من كل أرجاء البلاد لمواجهة ذلك العدو فكان الحسين (عليه السلام) سببا اساسيا للنصر على تلك الزمر الضالة، فمن قبر الحسين (عليه السلام)، يستمد الثوار الشجاعة والهمة والصمود والكفاح، ومن ذلك الضريح تصعد الدعوات فتخترق السماوات السبع فتكون سببا للمفاز.
فنسأل الله بدم الإمام الحسين (عليه السلام) أن ينصرنا على القوم الظالمين وأن لا يحرمنا زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.
الهوامش:
[1] - كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولوية: هامش ص444.
[2] - سورة النساء: 78.
[3] - سورة آل عمران: 154.
[4] - العوالم، الإمام الحسين، الشيخ عبد الله البحراني: 180.
[5] - ينظر العوالم: 181.
[6] - مثير الأحزان: ص32.