رواية فضائل الإمام علي عليه السلام في العصر العباسي: الحلقة الثانية: رواية الفضائل في عصر هارون

فضائل الإمام علي عليه السلام

رواية فضائل الإمام علي عليه السلام في العصر العباسي: الحلقة الثانية: رواية الفضائل في عصر هارون

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 06-03-2022

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
استبق هارون الرشيد (170–193هـ/786–809م) أية عملية خروج علوية على حكمه وبدأ بالتضييق على رواة الأحاديث في أهل البيت (عليهم السلام)، ومنهم محمد بن أبي عمير (ت217هـ/832م)[1] الذي بقي في سجن هارون أربع سنين ودُفنت مصنفاته خوفاً من السلطة وهي كثيرة–فتلفت[2].
وأبو معاوية (ت194هـ/809م) الذي قال له هارون الرشيد مهدداً: ((لا يُثبت أحد خلافة علي بن أبي طالب إلاّ قتلته))[3].
ولا شك أن أحاديث الفضائل كانت من أوضح الأدلة على أفضلية الإمام عليّ على غيره واستحقاقه للخلافة أولاً، ولهذا فقد شملت بهذا البيان الهاروني وأصبح الجزاء على روايتها بالقتل.
وقد شهدت فترة حكم المأمون العباسي (198–218هـ/813–833م) انفراجاً تمثل بإظهاره سنة 212هـ/827م تفضيل الإمام علي على الشيخين، وتزامن مع ذلك القول بأن القرآن مخلوق[4].
وهو ما نظرت إليه بعض الأوساط (السُنيّة) بأنه نوع من البدعة والمحنة[5]، لذا ستكافئ هذه الأوساط المتوكل العباسي (232–247هـ/847–861م) الذي سارع بعد توليه الحكم إلى رفع (المحنتين–تفضيل عليّ وخلق القرآن -) بلقب محيي السُنّة[6]!!!.
وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب غليظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم، شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم،... فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من حكام بني العباس قبله، وكان من ذلك أنه كرب قبر الحسين (عليه السلام) وعفى آثاره، ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون أحداً زاره إلاّ أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة[7].
وكان شديد البغض للإمام علي ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم[8].
ومن مظاهر إساءته للإمام علي أنه كان له أحد الندماء المخنثين ممن يحاكي الإمام علياً j في شكله و((يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع، ويرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون: قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين.. والمتوكل يشرب ويضحك))[9].
ومَنْ كان هذا شأنه في البغض والنصب كيف كان تعامله مع رواة مناقب الإمام علي وفضائله؟
لا شك أنه كان شديد التضييق والتهديد والعقوبة المنهكة، من ذلك ما لحق بـ نصر بن علي الأزدي الجهضمي (ت250هـ/864م)[10]–وهو من رجال الصحاح الستة–لما حدّث بسند عن أهل البيت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين فقال: ((مَنْ أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة))[11] أمر المتوكل بضربه ألف سوط![12]) [13].

الهوامش:
[1] الأزدي، بغدادي الأصل والمقام، لقي الإمام موسى الكاظم وسمع منه أحاديث، وروى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، جليل القدر، عظيم المنزلة عند الخاصة والعامة، حدّث من حفظه بعد تلف كتبه فلهذا يسكن إلى مراسيله، بلغ عدد مصنفاته أربعة وتسعين كتاباً. النجاشي، رجال، ص312–313.
[2] المصدر نفسه، ص312.
[3] الصفدي، الوافي بالوفيات، 2/316.
[4] قال الذهبي: ((وفي سنة اثنتي عشرة [ومائتين] سار محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك وأظهر المأمون تفضيل علي على الشيخين، وأن القرآن مخلوق))، سير أعلام النبلاء، 7/321 وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، 10/176.
[5] تبين ذلك بكل وضوح من قول ابن كثير: ((في ربيع الأول من هذه السنة [أي سنة 212هـ] أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين؛ أحدهما أطمُّ من الأخرى، وهي القول بخلق القرآن، والأخرى تفضيل علي بن أبي طالب على الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد أخطأ في كل من هذين المذهبين خطأً كبيراً فاحشاً، وأثم اثماً عظيماً...)). البداية والنهاية، 10/166.
علق على ذلك الحلي فقال: ((هذا هو العجب العجاب إذ أن ابن كثير في الوقت الذي يقول في تفضيل المأمون علياً على باقي الناس، والقول بخلق القرآن بدعتين فظيعتين، نراه لا يتهم المتوكل المظهر للنصب وعداوة علي (عليه السلام) بأي تهمة، فما معنى ذلك؟!!.. وهذا يقودنا للقول بأن وصف المتوكل بمظهر السنة من باب تسمية الشيء بنقيضه،... تسمية المتوكل الناصبي المبغض لعلي بمظهر السنة، فالنصب وإظهار السنة لعمر الله لا يجتمعان!!!)). سنة الرسول المصطفى، ص506.
[6] ينظر: ابن خلكان، وفيات الأعيان، 1/180؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 8/375–376؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10/229–241.
[7] الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص478؛ الذهبي، سير أعلام، 8/376؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10/209.
[8] ابن الأثير، الكامل، 6/108.
[9] المصدر نفسه، 6/108–109.
[10] أبو عمرو البصري حدّث عن نوح بن قيس ويزيد بن زريع وسفيان بن عيينة وغيرهم، وحدّث عنه الجماعة [أصحاب الصحاح] وزكريا الساجي وابن خزيمة، وابن أبي داود، وابن صاعد وغيرهم، قال أحمد: ما به بأس، ووثقه النسائي، مات سنة 250هـ/864م، الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 13/288–291، الذهبي، تذكرة الحفاظ، 2/78–79.
[11] الحديث صحيح أخرجه عدد من الحفاظ منهم:
ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص335–337، الترمذي، السنن، ص982 رقم الحديث 3742؛ ابن المغازلي، مناقب الإمام علي، ص296–297؛ ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص171.
[12] الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 13/289. وقد علق العلامة المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي على هذه العقوبة متهكماً فقال: ((وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حب أهل بيته وأمره بحبهم مجتمعين ومنفردين في كل واحد منهم متواتر ملء الصحاح والمسانيد والسنن والجوامع، لا يُحصيه عدد، ولكن الأمر انعكس تماماً وأصبح حبهم ذنباً لا يُغفر وقليل من حبهم يكفي في جرح الراوي وتضعيفه، بل ترى أن رواية شيء في فضلهم ولو كان بالحديث الثابت عن جدهم النبي (صلى الله عليه وآله) أعظم عند الحكام المنافقين من الزنا! فالزاني يُجلد مائة جلده، وهذا يُضرب ألف سوط!!)). أهل البيت في المكتبة العربية، ص76–77، حاشية رقم (1).
[13] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 116-119.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3677 Seconds