فضائل الإمام علي عليه السلام وآليات المنع الحلقة الثانية: علة إطلاق صفة المبتدع على راوي فضائل الإمام علي عليه السلام في المنهج الروائي لأهل السنة.

فضائل الإمام علي عليه السلام

فضائل الإمام علي عليه السلام وآليات المنع الحلقة الثانية: علة إطلاق صفة المبتدع على راوي فضائل الإمام علي عليه السلام في المنهج الروائي لأهل السنة.

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 13-07-2022

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير الأنام ابي القاسم محمد وعلى آله الهداة الاخيار.

أما بعد:

إن المعنى المقصود من إطلاق لفظ التشيع على الرواة الذين تُرد رواياتهم، ويُصنفون ضمن مَنْ يُطعن عليهم ويُغمز في وثاقتهم، يظهر مما صرح به بعض أصحاب الجرح والتعديل من المصنفين، ومنهم: ابن حجر إذ ذكر بعض أسباب الطعن على مجموعة من الرواة، ومنها ما يعود إلى قضايا الاعتقاد فقال:

((التشيع: محبة علي، وتقديمه على الصحابة، فمَنْ قدَّمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في التشيع، ويطلق عليه رافضي وإلاّ فشيعي، فإن أضاف إلى ذلك السب، أو التصريح بالبغض، فغالٍ في الرفض...))[1].

وبناءً على عبارة ابن حجر هذه فإن مجرد محبة علي (عليه السلام) والقول بأفضليته على عموم الصحابة تجعل من الشخص شيعياً، أما القول بأفضليته على الخليفتين الأول والثاني فإنه يجعل منه رافضياً غالياً في التشيع![2].

ولما كان مجرد ذكر أي شخص بلفظ (شيعي) في ترجمته، يستدعي استحضار اللازمة لها وهي أنه (مبتدع)؛ فقد عني الذهبي (748هـ/1347م) بتوضيح حدود هذه البدعة من أيام سابقه (السلف) وحتى عصره، وكلمته ذات مضمون جامع مهم لأنها تضع أيدينا على ما واجهته رواية الشيعي في سنوات التدوين الأولى.

إذ قال: ((أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلوّ التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملةٌ من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بيّنة.

ثم بدعة كبرى؛ كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر والدعاء إلى ذلك؛ فهذا النوع لا يُحتجُّ بهم ولا كرامة.

وأيضاً فما أستحضرُ الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً؛ بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يُقبل نقلُ من هذا حاله! حاشا وكلا.

فالشيعي الغالي في زمان السلف وعُرفهم هو مَن تكلّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً [عليه السلام] ، وتعرّض لسبِّهم.

والغالي في زماننا وعُرفنا هو الذي يُكفّر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً فهذا ضالُّ مُعَثّر..))[3].

فالذهبي يرى أن مجرد مشايعة الإمام علي (عليه السلام) (بدعة) وإن لم يرافقها غلو أو تحريف وحتى لو كانت هذه المشايعة بدافع الإيمان بالحديث النبوي الصحيح: ((يا علي لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يُبغضك إلاّ منافق))[4]، أما مع التكلم في أمثال الزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً فإنها تجعل من الشخص غالياً في التشيع، مع أن (التكلم) لا يعني التجريح والطعن في الدين والحط على هؤلاء المحاربين، بل ولو كان تخطئة لهم فيما أقدموا عليه أو تصريحاً بميلهم عن الصواب في قتاله (عليه السلام) واستحلالهم دمه أو طلبهم أمراً ليس لهم الحق فيه!![5].

ويبدو أن معايير أصحاب هذا الرأي متناقضة وغير نزيهة وصريحة في التحامل على رواة الشيعة، وإلاّ لماذا لا تُعد محبة الشيخين (أبي بكر وعمر) والدعاء لهما بدعة؟ ولماذا لا يُبدع بالبدعة الكبرى مَنْ يُبغض أمير المؤمنين والذي يسبّه ويلعنه ويقع فيه علناً؟ ولماذا يوثق من يروي عنه المناكير، وتُسجل روايته في كتب الصحاح؟!! مثل حريز بن عثمان الرحبي (ت163هـ/779م)[6]، الذي قال عنه الذهبي: ((كان متقناً ثبتاً، لكنه مبتدع))[7] ونقل توثيقات عدد من العلماء له مثل يحيى بن القطان (ت198هـ/813م) ويحيى بن معين (ت233هـ/847م)[8].

وقد علق أحد المحققين على هذا المنهج المتهافت فقال: ((لا نقبل هذا الكلام من شيخ النقاد أبي عبد الله الذهبي، إذ كيف يكون الناصبي ثقة، وكيف يكون (المبغض) ثقة؟ فهل النصب وبغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بدعة صغرى أم كبرى؟ والذهبي نفسه يقول في (الميزان: 1/6) في وصف البدعة الكبرى: (الرفض الكامل والغلوّ فيه، والحط على أبي بكر ، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يُحتجّ بهم ولا كرامة) أو ليس الحط على عليّ و(النصب) من هذا القبيل؟ وقد ثبت من نقل الثقاة أن هذا الرجل [حريز ابن عثمان] كان يبغض علياً، وقد قيل: أنه رجع عن ذلك، فإن صحّ رجوعه فما الذي يدرينا أنه ما حدّث في حال بغضه وقبل توبته؟))[9])[10].

الهوامش:
[1] هدي الساري مقدمة في فتح الباري، مجـ2/138.
[2] الحيدري، السلطة وصناعة الوضع، ص159.
[3] الذهبي، ميزان الاعتدال، 1/118–119؛ ابن حجر، لسان الميزان، 1/9–10.
[4] ابن حنبل، فضائل أمير المؤمنين، ص150، ص229، ص321؛ مسلم، الصحيح، ص90؛ النسائي، خصائص، ص155–156.وينظر: الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/341.
[5] الحيدري، السلطة وصناعة الوضع، ص161.
[6] ينظر لسب حريز لأمير المؤمنين: المزي، تهذيب الكمال، 5/576؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/376.
وينظر لروايته المناكير عن الإمام علي وقلب فضائله العلية: ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/376.
وينظر لإخراج البخاري لرواياته: الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/218؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/376–377.
[7] ميزان الاعتدال، 2/218.
[8] المصدر نفسه، 2/219.
[9] بشار عواد معروف، في حاشية تحقيق كتاب تهذيب الكمال للمزي، ج5/579.
[10] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 133-136.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2642 Seconds