الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسول الله وعلى آله آل الله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم الابدي على اعدائهم اعداء الله اجمعين الى قيام يوم الدين وبعد ..
كثيرة هي صفات أمير المؤمنين عليه السلام بل هو مصدر وأساس كل الصفات والكمالات , ومن بين تلك الصفات صفة ( السخاء ) حيث كان الإمام عليه السلام بحسب ما معروف لدى الجميع أنه كان يؤثر على نفسه من أجل مساعدة الناس لاسيما الفقراء والمحتاجين حتى من غير المسلمين وفيه نزلت آيات منها على سبيل المثال آية ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا[1] ( إذ كان هو واهل بيته صائمين لثلاثة ايام إيفاء لنذر نذره أمير المؤمنين ومولاتنا الزهراء عليهما السلام الصيام لمرض ألم بالحسنين عليهما السلام ولم يأكلوا شيئا بسبب سؤال المحتاجين في وقت الافطار.
هكذا يكون الإيثار على النفس ، حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام :
( الإيثار أعلى مراتب الكرم وأفضل الشيم ) [2]ولهذا العمل قيمة إنسانية رفيعة جدا وصفة كمالية خاصة، وهذا مما لاشك فيه حيث ان هذه الصفة لا نجدها الا من فضّله الله تعالى واجتباه وخصه بفيوض المعرفة والعلم والجود, وفي واقعة اخرى حيث انه كان يملك اربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرا ، وبدرهم علانية ، فأُنزل فيه : ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية [3] (وهذا الخُلق يحبه الله تعالى حيث روي عنه أنه قال: ( السخاء يكسب المحبة ويزين الأخلاق[4] ( فمن اثار صفة السخاء كسب المحبة في قلوب الاخرين وتزيين الاخلاق إذ يعدّ من كمالات الاخلاق صفة السخاء . وروي أنه لم يقول ( لا ) لسائل قط وهذا ما انفرد به أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي الاكرم صلى الله عليه واله وروي ايضا انه عليه السلام كان يشد حجرا على بطنه من شدة جوعه وهو في مقام الرئاسة وبيده بيت مال المسلمين وباستطاعته ان يتصرف بما يشاء ولكنه استأثر على نفسه لله ويريد ثوابه واجره من الله تعالى
فعن أبي بصير عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله)[5] قال: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام( .
ونذكر في هذا الصدد بعض الروايات الشريفة :
الرواية الاولى :
( جاء أعرابي إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين إني مأخوذ بثلاث علل: علة النفس وعلة الفقر وعلة الجهل ؟
فأجاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا أخا العرب: علة النفس تُعرض على الطبيب وعلة الجهل تُعرض على العالم وعلة الفقر تُعرض على الكريم.
فقال الأعرابي أنت الكريم، وأنت العالم، وأنت الطبيب، فأمر أمير المؤمنين بأن يُعطى له من بيت المال ثلاثة آلاف درهم وقال: تنفق ألفاً بعلة النفس، وألفاً بعلة الجهل، وألفاً بعلة الفقر ) [6].
تُبين الرواية الشريفة أن أمير المؤمنين عليه السلام ليس فقط حاكما بل الظاهر من كلام الاعرابي أنه قصد العالم والكريم والطبيب ولا يخفى على المؤمنين أن المعصوم عليه السلام جامع لكل الصفات الكمالية والاخلاقية ويكون الكل بحاجة إليه وهو لا يحتاج لأحد من الخلق .
الرواية الثانية :
( نظر علي عليه السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء ، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها ، وسألها عن حالها فقالت : بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل ، وترك علي صبيانا يتامى ، وليس عندي شئ ، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس ، فانصرف وبات ليلته قلقا ، فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام ، فقال بعضهم : أعطني أحمله عنك ، فقال : من يحمل وزري عني يوم القيامة ؟ فأتى وقرع الباب ، فقالت : من هذا ؟ قال : أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة ، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان ، فقالت : رضي الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب ، فدخل وقال : إني أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لاخبز أنا ، فقالت : أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ، ولكن شأنك والصبيان ، فعللهم حتى أفرغ من الخبز ، قال ( 2 ) : فعمدت إلى الدقيق فعجنته ، وعمد علي عليه السلام إلى اللحم فطبخه ، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره ، فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له : يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما أمر في أمرك ( 3 ) ، فلما اختمر العجين قالت : يا عبدالله اسجر التنور فبادر لسجره فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول : ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الارامل واليتامى ، فرأته امرأة تعرفه فقالت : ويحك هذا أمير المؤمنين ، قال : فبادرت المرأة وهي تقول : واحيائي منك يا أمير المؤمنين ، فقال : بل واحيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك )[7]
أين نجد حاكما مثل هذا الرجل العادل الذي يدخل البيوت ويساعد الفقراء ويطعم الصغار بيده الكريمة الا عند آل محمد - صلوات الله عليهم -
الرواية الثالثة :
( إن أمير المؤمنين عليه السلام دخل مكة في بعض حوائجه ، فوجد أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : يا صاحب البيت ! البيت بيتك والضيف ضيفك ، ولكل ضيف من ضيفه قرى فاجعل قراي منك الليلة المغفرة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لاصحابه : أما تسمعون كلام الاعرابي ؟ قالوا : نعم ، فقال : الله أكرم من أن يرد ضيفه ، فلما كانت الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول : يا عزيزا في عزك فلا أعز منك في عزك أعزني بعز عزك في عز لا يعلم أحد كيف هو ، أتوجه وأتوسل إليك ، بحق محمد وآل محمد عليك أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك ، واصرف عني مالا يصرفه أحد غيرك ، قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام لاصحابه : هذا والله الاسم الاكبر بالسريانية ، أخبرني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله سأله الجنة فأعطاه ، وسأله صرف النار وقد صرفها عنه .
قال : فلما كانت الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن وهو يقول : يا من لا يحويه مكان ولا يخلو منه مكان بلا كيفية كان ، ارزق الاعرابي أربعة آلاف درهم ، قال : فتقدم إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أعرابي سألت ربك القرى فقراك ، وسألته الجنة فأعطاك ، وسألته أن يصرف عنك النار وقد صرفها عنك ، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم ؟ قال الاعرابي : من أنت ؟ قال : أنا علي *
ابن أبي طالب ، قال الاعرابي أنت والله بغيتي وبك أنزلت حاجتي ، قال : سل يا أعرابي ، قال : اريد ألف درهم للصداق ، وألف درهم أقضي به ديني ، وألف درهم أشتري به دارا ، وألف درهم أتعيش منه ، قال : أنصفت يا أعرابي ، فإذا خرجت من مكة فاسأل عن داري بمدينة الرسول صلى الله عليه واله.
فأقام الاعرابي بمكة اسبوعا وخرج في طلب أمير المؤمنين عليه السلام إلى مدينة الرسول ، ونادى : من يدلني على دار أمير المؤمنين علي ؟ فقال الحسين بن علي من بين الصبيان : أنا أدلك على دار أمير المؤمنين وأنا ابنه الحسين بن علي ، فقال الاعرابي : من أبوك ؟ قال : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال : من أمك ؟ قال : فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، قال من جدك ؟ قال : رسول الله محمد بن عبدالله ابن عبدالمطلب قال : من جدتك ؟ قال : خديجة بنت خويلد ، قال : من أخوك قال : أبو محمد الحسن بن علي ، قال : لقد أخذت الدنيا بطر فيها ، امش إلى أمير المؤمنين وقل له : إن الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب ، قال : فدخل الحسين بن علي عليه السلام فقال : يا أبة أعرابي بالباب يزعم أنه صاحب الضمان بمكة ، قال : فقال : يا فاطمة عندك شئ يأكله الاعرابي ؟ قالت : اللهم لا ، قال : فتلبس أمير المؤمنين عليه السلام وخرج وقال : ادعوالي أبا عبدالله سلمان الفارسي ، قال : فدخل إليه سلمان الفارسي فقال : يابا عبدالله أعرض الحديقة التي غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله لي على التجار ، قال : فدخل سلمان إلى السوق وعرض الحديقة ، فباعها باثني عشر ألف درهم ، وأحضر المال وأحضر الاعرابي ، فأعطاه أربعة آلاف درهم )[8].
هذه الرواية طويلة وفيها تكملة لمن يحب المراجعة فليطالع المصدر حيث ان فيها معاني كبيرة ينبغي التأمل والتحقق بها .
والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
[1] سورة الانسان آية 8
[2] ميزان الحكمة حديث رقم 8
[3] سورة البقرة آية 274
[4] عيون الحكم الجزء الخامس/الصفحة 303
[5] سورة البقرة آية 265
[6] جامع اخبار صفحة 158
[7] مناقب آل ابي طالب الجزء الاول صفحة 317
-[8] الآمالي للشيخ الصدوق صفحة 280