الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الرسل وسيد الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
وبعد...
من الألقاب التي حازها أمير المؤمنين (عليه السلام) لقب صالح المؤمنين، فهو أول من آمن بالله ورسوله وساند الدين وجاهد مع النبي الكفار والمنافقين، فكان وحده أُمة ولذا لُقب بهذا اللقب.
قال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }[1].
جاء في شواهد التنزيل للحسكاني عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (وصالح المؤمنين) (هو) علي بن أبي طالب[2].
قال الزجاج : (صالح المؤمنين ) واحد في موضع الجمع[3].
ومعنى صالح المؤمنين أي أتقى المؤمنين وخيرهم، وكيف لا يكون ذلك وهو نفس النبي الذي قال بحقه رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي مني وأنا منه وغير ذلك من الأحاديث التي بين فيها فضله ومكانته عند الله.
فالإمام علي (عليه السلام) سطَّر بمجده أروع الملاحم والبطولات، وكان وحده جيش بأكمله، وقد شهد له الله تعالى وجبرائيل بأن لا فتى إلَّا علي.
قال الشيخ الطوسي في قوله (وإن تظاهرا عليه)، معناه وإن تعاونا على خلافه، (فإنَّ الله هو مولاه)، يعني الله الذي يتولى حفظه وحياطته ونصرته، (وجبريل) أيضًا معين له وناصره[4].
فجبرائيل ناصر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذلك صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)، هو الناصر والمحامي والمدافع عن سيد الخلق، وقد أكد أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة أحد أنَّه صالح المؤمنين وشجاعهم وخيرتهم، وذلك عندما ثبت أمام العدو وحده يذبُّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أُثخن بالجراح، فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: (انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فغضب غضبًا شديدًا، قال: وكان إذا غضب انحدر عن جبينيه مثل اللؤلؤ من العرق، قال: فنظر فإذا علي (عليه السلام) إلى جنبه فقال: له الحق ببني أبيك مع من انهزم عن رسول الله، فقال: يا رسول الله لي بك أسوة قال: فاكفني هؤلاء فحمل فضرب أول من لقى منهم، فقال: جبرئيل (عليه السلام) إن هذه لهي المؤاساة يا محمد فقال: إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا منكما يا محمد، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جبرئيل (عليه السلام) على كرسي من ذهب بين السماء والأرض وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي[5].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (لمّا نزلت: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): يا عليّ، أنت صالح المؤمنين)[6].
فهذه شهادة من رسول الله أنه خير الناس من بعده، وقد فضله على جميع الخلق حينما قرنه بنفسه، وكان جبرائيل (عليه السلام) يتشرف أن يكون منهم وقد سأل الله أن يهبط معهم ليكون في ذلك الكساء .
قال أبو جعفر (عليه السلام): (لقد عرَّف رسول الله (صلى الله عليه وآله عليًّا (عليه السلام) أصحابه مرّتين؛ أمّا مرّة فحيث قال: مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، وأمّا الثانية فحيث نزلت هذه الآية :{فَإِنَّ اللَّه هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}، أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله) بيد عليّ (عليه السلام) فقال: أيُّها الناس ، هذا صالح المؤمنين[7].
فالكل يعرف أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو صالح المؤمنين، ويكفي يوم غدير خم حيث قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فعلي مولاه )[8].
فيا عجبًا لهم كيف ينكرون أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويسلبون حقه وينكرون فضله ويبايعون من لا يقاس به، وكيف يقاس به أحد من قال عنه رسول الله (هو خير أهلي وأقرب الخلق مني، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وروحه من روحي، وهو الوزير مني في حياتي والخليفة بعد وفاتي، كما كان هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)[9].
وكان (عليه السلام) يشهد أنه صالح المؤمنين، وأنَّه خير الناس أجمعين بعد رسوله الكريم، قال رشيد الهجري: كنت أسير مع مولاي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في هذا الظَّهر، فالتفت إليّ فقال: أنا - والله يا رشيد – صالح المؤمنين[10].
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
[1] - سورة التحريم: 4.
[2] - شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني، ج2، ص344، عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وصالح
المؤمنين ) قال هو علي بن أبي طالب . كنز العمال، المتقي الهندي، ج2، ص539.
[3] - التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، ج10، ص48.
[4] - التبيان في تفسير القرآن، ج10، ص
[5] - الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص110.
[6] - تفسير فرات الكوفي، ص489.
[7] - تفسير فرات الكوفي، ص490.
[8] - قرب الاسناد، الحميري القمي، ص57.
[9] - التوحيد، الشيخ الصدوق: ص311.
[10] - ا التوحيد، الشيخ الصدوق: ص311 .