الباحث: علي فاضل الخزاعي.
اَلْحَمْدُ للهِ الّذى جَعَلَنا مِنَ الْمُتَمَسِّكينَ بِوِلايَةِ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ (عليه السلام) وَجَعَلَنا مِنَ الْمُوفينَ، بِعَهْدِهِ اِلَيْنا وَميثاقِهِ الّذى واثَقَنا بِهِ مِنْ وِلايَةِ وُلاةِ اَمْرِهِ وَالْقَوّامِ بِقِسْطِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْنا مِنَ الْجاحِدينَ وَالْمُكَذِّبينَ بِيَوْمِ الدِّينَ. أما بعد...
فقد نال أمير المؤمنين عليه السلام منزلة خصيصة عند الله سبحانه وتعالى لا تدانيها منزلة أيِّ وصي؛ والسبب في ذلك يعود إلى ما هو عليه من علم وتقوى وجهاد خدمة للإسلام وطاعة لنبيه صلى الله عليه وآله، حتى ارتبط أمره بالله وأصبح السبب الموصول إلى السماء علما وإيمانا حتى تمثل بتاج الوقار، فهذه المرتبة الرفيعة المتصلة بالغيب الإلهي تكشف لنا عظيم قدره، لذلك اختار الله لوليه ووصي نبيه هذا الأمر في تلقي تلك العلوم الربانية. وأجرى على لسانه ما حصل مع الاقوام في الماضي وفي زمنه وما يجري على الكون من أحداث في المستقبل وهذا يبين عظيم منزلته (عليه السلام).
والإمام (عليه السلام) الذي صنع الله جوهرة وجوده على يمين عرشه، ورباه على عينه، ووهبه الحكمة من علم الغيب المكنون عنده عن طريق نبيه صلى الله عليه وآله ، الذي لا سبيل لأحد إليه، كانت هذه المرتبة العليا لأمير المؤمنين (عليه السلام) عند الله عز وجل قد جعلت (عليه السلام) للخلق الموالين بحبه حب الاشتياق والثبات على دينه ونرى في رواية تبين حب أمير المؤمنين عند الله عز وجل وعند الملائكة ومضمون الرواية الواردة عن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، قال : حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه واله، قال : ليلة أسري بي رأيت في بطنان العرش ملكا بيده سيف من نور يلعب به كلعب علي بن ابي طالب بذي الفقار ، وان الملائكة اذا اشتاقوا الى علي ابن أبي طالب نظروا الى ذلك الملك ، فقلت : يا رب هذا اخي علي ابن أبي طالب وابن عمي فقال الله: يا محمد هذا ملك خلقته على صورة علي يعبدني في بطنان عرشي تكتب حسناته وتسبيحه وتقديسه لعلي ابن أبي طالب إلى يوم القيامة[1].
كذلك في تفسير قوله تعالى: (يُلقي الرُوحَ مِنْ أمرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عبادِهِ) يقول الامام علي (عليه السلام): وهو روح الله لا يعطيه ولا يُلقي هذا الروح إلا على ملك مُقرّبٌ أو نبيٌّ مُرسَل أو وَصيٌّ مُنتَجب، فمنَ أعطاهُ الله هذا الروح فقد أبانَهُ من الناس وفَوّضَ إليه القُدرة، وأحْيى الموَتى، وعَلِمَ بها ما كان وما يكون، وصار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظةِ عين، وعَلِمَ ما في الضَمائِر والقلوبُ، وعلم ما في السماوات والأرض)[2].
وكذلك الذي أحاط علمه بمعرفة ما كان وما يكون بأمر الله دليل على اكتسابه علم الكتاب من الله لابد أن يكون ذو منزلة قريبة من الله عز وجل لكي يتحلى بهذه المرتبة من العلم الإلهي، لذلك نرى أمير المؤمنين قد أكتسب هذا العلم حتى ندبته كلُّ المخلوقات من الأنبياء والمرسلين من الاولين والاخرين الى قيام يوم الدين.
قال (عليه السلام): ((أنا الذي حَملتُ نُوحاً في السفينة بأمر ربي ، وأنا الذي أخْرجَتُ يونس من بطن الحوت بأذنِ ربي ، وأنا الذي جاوزَتُ بِموسى بن عِمرانَ البَحر بأمرِ ربّي ، وأنا الذي أخْرجْتُ أنْهارَها وفجّرتُ عيونَها ، وغَرَسْتُ أشجارها بإذِنِ رَبّي ، وأنا عَذابُ يوم الظُلة ، وأنا المُنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان الجنّ والإنس وفهمه قومٌ ، إني لأَسَمع كلّ يَوم الجبّارين والمنافقين بلغاتهم ، وأنا الخِضر عالم موسى ، وأنا معلم سليمان بن داود ، وأنا ذو القرنين ، وأنا قدرة الله عَزّ وجلّ،.....وأنا أُحيي وأميتُ بِإذِن ربّي ، وأنا أنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم بِإذن ربّي ، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من ولدي يَعلموُن ويفعلون هذا إذا أحَبّوا وأرادوا ، لأنا كلنا واحدٌ أوّلنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد ، فلا تفرّقوا بيننا ، ونحن إذا شئنا شاء الله ، وإذا كرهنا كره الله ، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربّنا ، لأن مَن أنكر شيئاً مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عَزّ وجلّ ومشيئَته فينا))[3].
وعلم الإمام بهذه الأمور هو علم إلهي كونه (عليه السلام) مُنصّب من اللّه لهدايه البشر بعهد إلهي فينبغى ان يكون محلا بفيض الله ولطفه لكي يكون هاديا للناس.
و قال تعالى: ((وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ))[4]، روي أنّه سُئل النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين) فقيل: أهو التوراة؟ قال: ( لا)، فقيل: أهو الإنجيل؟ قال: (لا، هو هذا ) وأشار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)[5].
فسلام على من عنده علم الكتاب، ونسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة الولاية، والطاعة للرسول (صلَّى الله عليه وآله)، ولآل بيته الأطهار (عليهم السلام)، إنَّه سميع مجيب.
الهوامش:
[1] عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق/ ج2 ص193.
[2] - الأربعين في حب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): علي أبو معاش/ ج4 ص161.
[3] المصدر نفسه: ج4 ص162- 163.
[4] - سورة يس: الآية 12.
[5] - المحتضر: حسن بن سليمان الحلي/ ص205.