بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
قال ابن منظور في بيان ابنية المفعول ما صيغ من غير الثلاثي على زنة مُفَعَّل، وقد ورد هذا البناء(مُفعَّل)في المرويَّاتِ نحو(خمسَ عشرة) مرَّة، منها ما جاءَ به ابنُ منظور في بيانِ معنى(مُتَبَّر): «وهؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فيهِ، أَي: مُكَسَّرٌ مُهْلَكٌ، وفي حَدِيثِ عليٍّ،(كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ): عَجْزٌ حَاضِرٌ ورَأْيٌ مُتَبَّر، أَي: مهلَك. وتَبَّرَهُ هُو: كَسَّرَهُ وأَذهبَهُ»([1]).
فِي النَّصِّ كلمةٌ على زِنةِ(مُفعَّل)، هيَ(مُتَبَّر)، وهيَ من أبنيةِ اسمِ المفعولِ، ومشتقَّةٌ من الفعلِ الرُّباعِيّ(تُبِّرَ)، قال ابن فارس في التَّبَار: «والتَّبَارُ: الهلاكُ، وأمرٌ مُتبّرٌ»([2]). وقدْ جاءَ في الذَّكرِ الحكيم قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فيهِ وبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)([3]). قالَ القرطبــــيّ(ت671هـ) فــي تفسير الآية«التَّبَارُ:الهَلَاكُ، وكُلُّ إِنَاءٍ مُكَسَّرٍ مُتَبَّرٌ. وأَمْـرٌ مُتَبَّرٌ، أَيْ: إِنَّ العَابــِدَ والمَعْبُـــودَ مُهْلَكَانِ»([4]).
وكلامُ عليٍّ(عليه السَّلام)، من كِتابٍ لهُ إلى كُميلِ بنِ زِيادِ النَّخعيّ وهو عَاملُهُ على(هيت) يُنكرُ عليه ترْكَهُ دَفْعَ مَنْ يَجتازُ بهِ مِنْ جَيشِ العَدوِّ طَالبًا الغَارةَ، إذ إنَّ من العجز الحاضر أنْ يُهمِلَ الوالي ما وليه، ويتكلَّف ما ليس من تكليفه([5]). جَاءَ تعبيرُ الإمامِ(عليه السَّلام)، بـ(مُتَبَّر) للدَّلالةِ على هلاكِ الرَّأي، فإذا سُبِقَ الرَّأي بحضورِ العجزِ، فلا محَالةَ من هلاكهِ. ويهلك الرَّأي إمَّا بهلاكِ صاحبِهِ، أو برأي آخر، بغضِّ النَّظر عن صَوابهِ، فجاءَ تعبيرُ الإمامِ(عليه السَّلام)، باسمِ المفعولِ(مُتَبَّر) للدَّلالةِ على هلاكِ الرَّأي برأي آخر، وهذا ضعفٌ بِصاحبِهِ)([6]).
الهوامش:
[1] لسان العرب(تبر): 4/88.
[2] مجمل اللغة، لابن فارس(تبر): 1/153.
[3] الأعراف: 139.
[4] الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 7/273.
[5] ينظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 17/149.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 69-70.