من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة الدلالة على الدواب عامّة: البَعِير/ قال عليه السلام ((ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلاَءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ غَارِبَ الْبَعيرِ))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة الدلالة على الدواب عامّة: البَعِير/ قال عليه السلام ((ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلاَءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ غَارِبَ الْبَعيرِ))

145 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 19-08-2024

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:

البَعِير

البَعِيْر لفظ يقع على الجمل والنّاقَةِ معاً [1].والعرب تقول: هذا بَعِيْر، ما لم يَعْرِفُوا جِنْسه، فإذا عرفوا. قالوا للذكر جَمَلٌ، وللأنْثَى نَاقَة [2].مثلما يقولون (إنسان) إذا لم يَعْرفوا جِنْس القادم، فإذا عُرِف، قيل للذكر رَجُل، وللأنثى امرأة [3]. والبَعِيْر هو الجَمَلُ البازل[4]، وهو الذي كبر سنه حتّى انفطر نابه، وبَزُل. ويكون ذلك إذا استكمل البعير السّنة الثامنة من عمره، وطعن في التاسعة [5].وقد وردت لفظة(البَعِيْر)في نهج البلاغة مرة واحدة [6].دالة على البَعيْر المعروف، وهو الجَمَل الذي استعمل واسطة للنقل والتّرحال. وجاءت المفردة المتقدمة في سياق حديث الإمام عن الملاحم وما ينتج عنها من (بَلاَءٍ)؛ إذ يقول: ((... ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلاَءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ غَارِبَ[7]الْبَعيرِ...))[8]. وقد جعل البلاء يعضُّ الإنسانَ، آخذاً مفردة (عَضَّكم) التي تعد من لوازم الحيوانات الجارحة المسببّة للاذى كالأسد وغيره، فاستعملها(للبلاءِ)؛لاظهار تمكُّنه من الناس لبيان شِدّة الألم الذي يُضْفِيه هذا البلاء على الناس[9].واللاّفت للنظر أنّ أمير المؤمنين جعل(عَضَّ البلاء)في هذا السياق مُشْبِهاً لِعَضِ (القَتَبِ)،وهو إكاف البَعِيْر الذي يوضع على قَدر سنامه[10].إشارة إلى أن الرّحل عند وَضعِه على السَّنَام يعض كاهل البَعِير، لشدَّه ما يُعْقَد عليه اتقاء لسقوط الراكب.
 أمّا أنه استعمل مفردة (البَعِيْر) في هذا النّص دون أن يستعمل مفردة أخرى دالة على هذا النوع من الدّواب، فيبدو أن كلامه عن البلاء الذي يعد من لوازمهِ إنهاك النَّاس والتشديد عليهم، مما يزيد في عنَائهم، ويضْعِف قولهم حتّى يصير الشَّاب منهم بمنزلة الكَهْلِ من الضَّعْف وقِلَّة الحِيْلَة في تَحَمُّلِ مَشَاقِ هذهِ البلايا. وهذا الحال تبدو مشابهة ومناسبة لحال (البَعِيْر) الذي عَضَّه الرَّحْل وأكل من سَنَامه، فزادَه ضَعْفاً إلى ضَعْفه. فالبعير في اللغة هو ما كبر سِنّه وأنْفَطَر نابه من الهرم، وذلك إذا صار في التَّاسِعَةِ من عُمْرِه[11]. وثَمَّةَ  وجه آخر محتمل عندي في إيثار الإمام لفظة (البَعِيْر) في هذا النص، وهو أنّ البعير غالباً ما يكون صعباً غير هادئ الطّبع، فلهذا يحاول صاحبه أنْ يَتَلَطَّفَ معه بأنْ يؤنسه بِإِمْرار يدهِ عليه وبِمسحِ غارِبِه حتى يَسْتَأنِسَ كما يذكر اللغويون [12]. فكأنّ (البلاء) الذي يذكره الإمام في هذا النص هو مما يَتَلَطّف به الله تعالى على العِباد، ومما يُؤْنِسُهُم به تَخْفِيْفاً عّما يصيبهم في الآخرة. مع أنّ جُلَّ الناس لا يفهمون هذا الضَّرب من التَّلَطُّف والإيناس، إلاّ الخاصة منهم. )([13]).

الهوامش:
[1] ينظر: تهذيب اللغة (بعر): 2/229.
[2] ينظر: العين (بعر): 2/132.
[3] نفسه. 
[4] ينظر: لسان العرب (بعر): 4/71.
[5] نفسه  (بزل): 11/52.
[6] ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 57.
[7] الغارب الكِاهِل، وهو ما بين السَّنام والعُنُق مِن البعير. ينظر: تاج العروس (غرب): 3/479.
[8] نهج البلاغة: خ/187: 348.
[9] ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/111.
[10] ينظر: لسان العرب (قتب): 1/661.
[11] ينظر: نفسه(بزل): 11/52.
[12] ينظر: تاج العروس (غرب): 3/479.
([13]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 87-88.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2535 Seconds