الباحث: م.م علي عباس فاضل
التعريف بالشاعر:
هو أبو الفتح ، محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك ، الكاتب المعروف بكشاجم، وكان من أهل العلم والرواية والمعرفة والأدب، قيل إنه ولد في الرملة وهي من نواحي فلسطين, وقيل في بلاد فارس, ولم تشر المصادر إلى سنة ولادته على وجه التحديد لكن يلوح من شعره أنه ولد أواخر القرن الثالث ويتضح ذلك من سنة وفاته (360هـ)([1]).
وهو أحد فحول الشعراء، وكان من الشعراء المجيدين والفضلاء المبرزين، حتّى قيل: إن لقبه هذا منحوت من عدّة علوم كان يتقنها، فالكاف للكتابة، والشين من الشعر، والألف من الإنشاء، والجيم من الجدل، والميم من المنطق، وكان يضرب بملحه المثل، فيقال: ملح كشاجم([2]).
ويعد نابغة من رجالات الأمة، وفذ من أفذاذها، وأوحدي من نياقدها، كان لا يجارى ولا يبارى، ولا يساجل ولا يناضل، فكان شاعرا كاتبا متكلما منجما منطقيا محدثا، ومن نطس الأواسي محققا مدققا مجادلا جوادا، فهو جماع الفضائل([3])،" مليح الشعر، رقيق الطبع ، حسن الوصف"([4]).
مما قيل فيه ما ذكره ابن شهر آشوب: "وكان شاعراً منجّماً متكلّماً"([5])، وقال الشيخ محمد كاشف الغطاء: "وكان أديباً شاعراً، ومنجّماً متكلّماً، ومصنّفاً عالماً، له مصنّفات كثيرة في شتّى العلوم والمعارف، وكان يُعدّ شاعر زمانه"([6]).
كان متشيّعًا لآل البيت، وقال فيهم أشعارًا كثيرة ولا سيّما في الإمام الحسين (عليه السلام) وفاجعة كربلاء ومما قال في ذلك([7]):
بــكاءٌ وقـــلَّ غَنــاءُ البكــــاء على رُزءِ ذُريَّـــة الأنبيـــاءِ
لـئِن ذَلَّ فيه عزيز الدمـــوع لقد عَــــزَّ فيـــه ذليــلُ العــزاءِ
أعاذلتـي إنَّ بَــردَ الشِّـــــفاءِ كسـانيه حبِّـــي لأهــل الكســاءِ
وإن وِتِرَ القومُ في بــــــــدرِهم لقد نقضَ الــقومُ في كربلاءِ
مطايا الخطايا خذي في الظلام فما همَّ إبليـــسَ غيرُ الحداءِ
لقد هُتكتْ حرمُ المصطـــــــفى وحلَّ بهـــــــنَّ عظيمُ البلاءِ
وسـاقوا رجــالهم كــالعـبيد وحـــــازوا نـــساءهـــم كالإمـــاء
فلــو كــان جـــــدهم شــاهدا لتَبَّــع أظـعـانهم بالبـــكــــاء.
وتعد لاميته في أهل البيت عامة وفي أمير المؤمنين (عليه السلام) خاصة واحدة من القصائد الكبيرة في بيان حقِّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة، وكيف أنكر القوم وصية رسول الله ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) يوم الغدير، يقول فيها([8]):
له شغل عن سؤال الطلل أقام الخليط به؟ أم رحل؟
فما ضمنته لحاظ الظبا تطالعه من سجوف الكلل
طوى الغي مشتعلا في ذراه فتطفى الصبابة لما اشتغل
له في البكاء على الطاهرين مندوحة عن بكاء الغزل
فكم فيهم من هلال هوى قبيل التمام وبدر أفل
هم حجج الله في خلقه ويوم المعاد على من خذل
ومن أنزل الله تفضيلهم فرد على الله ما قد نزل
فجدهم خاتم الأنبياء ويعرف ذاك جميع الملل
ووالدهم سيد الأوصياء ومعطي الفقير ومردي البطل
ومن علم السمر طعن الحلي لدى الروع والبيض ضرب القلل
ولو زالت الأرض يوم الهياج من تحت أخمصه لم يزل([9])
ومن صد عن وجه دنياهم وقد لبست حليها والحلل([10])
وكان إذا ما أضيفوا إليه فأرفعهم رتبة في المثل
سماء أضيف إليها الحضيض وبحر قرنت إليه الوشل([11])
بجود تعلم منه السحاب وحلم تولد منه الجبل
وكم شبهة بهداه جلا وكم خطة بحجاه فصل
وكم أطفأ الله نار الضلال به وهي ترمي الهدى بالشعل
ومن رد خالقنا شمسه عليه وقد جنحت للطفل([12])
ولو لم تعد كان في رأيه وفي وجهه من سناها بدل
ومن ضرب الناس بالمرهفات على الدين ضرب عراب الإبل([13])
وقد علموا أن يوم الغدير بغدرهم جر يوم الجمل([14])
فيا معشر الظالمين الذين أذاقوا النبي مضيض الثكل
أفي حكمكم أن مفضولكم يؤمُّ نقيصته من فَضَلْ([15])
فإن كان من تزعمون هداه إماما فذلك خَطْبٌ جَلَلْ
فإن خرج المصطفى حافيا تميل به سكرات العِللْ([16])
فنحّاه عن ظِلِّ محرابه وناداه مُنتَهِرا لا تُصَلْ
فلولا تتابعهم في الضَّلال لما كان يطمع فيما فعل
إلى أن قال:
يخالفكم فيه نص الكتاب وما نص في ذاك خير الرسل
نبذتم وصيته بالعراء وقلتم عليه الذي لم يقل([17]).
والقصيدة طويلة يحاجج فيها ويثبت أحقية أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة، وما فعله القوم بعد رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) من نكث للبيعة ونكران لذلك اليوم المشهور، والحمد لله رب العالمين.
([1]) ينظر: مروج الذهب ومعادن الجواهر: 327، وينظر: الفهرست: 154.
([2]) ينظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب: 4/ 321.
([3]) ينظر: الغدير: 4/ 5.
([4]) الديارات، الشابشتي: 260.
([5]) معالم العلماء: 183.
([6]) أصل الشيعة وأصولها، محمد كاشف الغطاء: 380.
([7]) ديوان كشاجم: 3- 4.
([8]) ديوان كشاجم: 343- 347.
([9]) يصف شجاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وثباته في الحرب.
([10]) يصف زهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ونظرته للدنيا.
([11]) يبين الفارق بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وخصوصه.
([12]) يذكر فيه حادثة رد الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام).
([13]) يذكر كيف ساق أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس إلى الإيمان بعد كفرهم.
([14]) يقارن بين نكث بيعة الغدير ونكثها يوم الجمل، وأن الأولى كانت سببا في حدوث الثانية، وكيف نكث القوم عهد الله ورسوله يوم الغدير.
([15]) يسأل الشاعر القومَ: كيف تقدمون المفضول على الفاضل ليكون إماما بدلا عنه؟!.
([16]) يذكر حادثة إمامة الصلاة وكيف خرج النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في مرض الموت إلى المسجد ليمنع أبا بكر من إمامة الصلاة.
([17]) يشير إلى تركهم وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير، ونكثهم للبيعة فيه، وقولهم في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لا يقال بحقه، من أنه (صلى الله عليه وآله) –حاشاه- يهجر.