عمَّار حسن الخزاعي:
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...
أبو محمَّد سفيان بن مصعب العبدي([1])، شاعر مفوَّه، سريع البديهة، رصين التعبير، كثير النظم، ألفاظه جزلة، وفصاحته عالية، من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)([2])، أوقف شعره في حبِّ أهل البيت (عليهم السلام) وفي نشر فضائلهم، وكان من شعراء الغدير إذ ألف قصيدةً عصماء بذلك جاء فيها:
بلِّغ سلامي قبرًا بالغري حوى أوفى البرية من عجم ومن عرب
واجعل شعارك الله الخشوع به وناد خير وصي صنو خير نبي
اسمع أبا حسن إنَّ الأولى عدلوا عن حكمك انقبلوا عن شر منقلب
ما بالهم نكبوا نهج النجاة ؟ ! وقد وضحته واقتفوا نهجا من العطب
إلى أن يقول:
وكان أول من أوصى ببيعته لك النبي ولكن حال من كثب
حتى إذا ثالث منهم تقمصها وقد تبدل منها الجد باللعب
عادت كما بدأت شوهاء جاهلة تجر فيها ذئاب اكلة الغلب
وكان عتها لهم في "خم" مزدجر لما رقى أحمد الهادي على قتب
وقال والناس من دان إليه ومن ثاو لديه ومن مصغ ومرتقب
: قم يا علي فإني قد أمرت بأن أبلغ الناس والتبليغ أجدر بي
إني نصبت عليا هاديا علما بعدي وإن عليا خير منتصب
فبايعوك وكل باسط يده إليك من فوق قلب عنك منقلب
عافوك لا مانع طولا ولا حصر قولا ولا لهج بالغش والريب
وكنت قطب رحى الإسلام دونهم ولا تدور رحى إلا على قطب
ولا تماثلهم في الفضل مرتبة ولا تشابههم في البيت والنسب
فالعبدي يعلنها صراحةً كيف أنَّ القوم استأثروا بالسُّلطة وخانوا البيعة، التي أخذها منهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير، وقد استحضر بعضًا من خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير، وكيف أنَّه أمر أصحابه بالبيعة له في ذلك اليوم، وكيف أنَّ الأصحاب بايعوه باليد وفي القلب كانت راكزة نية الغدر .
ولدى العبدي كثير من المدائح في أهل البيت (عليهم السلام) وفي الذبِّ عن معتقداتهم حتَّى غدى شعره مدرسةً بما حوى من علوم آل محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويبدو أنَّ هذا الأمر كان علَّة في أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) يأمر الشيعة بتعلُّم شعر العبدي، وذلك بما روي عنه بقوله: ((يا معشر الشيعة، علموا أولادكم شعر العبدي فإنَّه على دين الله))([3])، وروي أيضًا أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) أمره بصياغة شعرٍ في مصائب أهل البيت (عليهم السلام) تنوح النساء به([4])، ويبدو أنَّ العبدي كان يتلقَّى العلوم من الإمام الصادق (عليه السلام) عبر السؤال ثمَّ يصوغها شعرًا، وممَّا يدلُّ على ذلك ما روي بأنَّ العبدي قال له (عليه السلام): ((جعلني الله فداك، ما تقول في قوله تعالى ذكره: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: 46]، قال: هم الأوصياء من آل محمد الاثنا عشر، لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه، قال: فما الأعراف جعلت فداك؟ قال: كثائب من مسك عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأوصياء يعرفون كلا بسيماهم، فقال سفيان: فلا أقول في ذلك شيئا، فقال: من قصيدة (شعر):
أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مربع * وهل لليالي كن لي فيك مرجع
وفيها يقول :
وأنتم ولاة الحشر والنشر والجزاء * وأنتم ليوم المفزع الهول مفزع
وأنتم على الأعراف وهي كثائب * من المسك رياها بكم يتضوع
ثمانية بالعرش إذ يحملونه * ومن بعدهم هادون في الأرض أربع))([5]) .
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يدخله بيته ويستنشده الشعر فينشدُ العبديُّ بين يديه([6]) . وممَّا قال في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)([7])
إنا روينا في الحديث خبرا يعرفه سائر من كان روى
إن ابن خطاب أتاه رجل فقال : كم عدة تطليق الإما ؟
فقال : يا حيدر كم تطليقة للأمة أذكره فأومى المرتضى
بإصبعيه فثنى الوجه إلى سائله قال : اثنتان وانثنى
قال له : تعرف هذا ؟ قال : لا قال له : هذا علي ذو العلا
وقال أيضًا في الموضوع نفسه([8]):
وقد روى عكرمة في خبر ما شك فيه أحد ولا امترى
مر ابن عباس على قوم وقد سبوا عليا فاستراع وبكى
وقال مغتاظا لهم أيكم سب إله الخلق جل وعلا
قالوا معاذ الله قال أيكم سب رسول الله ظلما واجترى
قالوا معاذ الله قال أيكم سب عليا خير من وطى الحصى
قالوا نعم قد كان ذا فقال قد سمعت والله النبي المجتبى
يقول من سب عليا سبني وسبني سب الاله واكتفى .
وأمَّا عن سمو منزلته الشعرية فتظهر من قول السيد الحميري فيه: ((أنا أشعر الناس إلّا العبدي))([9]).
وإلى هنا يظهر أنَّ الشاعر العبدي قد وطَّن نفسه في حبِّ أهل البيت (عليهم السلام) والذود عنهم، وكان من شعراء الغدير البارزين، فجزاه الله تعالى عن كلّش قول قاله في حبِّ محمَّد وآل محمَّدٍ كلَّ خير .... إنَّه حميد مجيد
الهوامش:
([1]) ينظر: اختيار معرفة الرجال: 2/704 .
([2]) ينظر: منتهى المقال في احوال الرجال: 3/354 .
([3]) ينظر: اختيار معرفة الرجال: 2/704 .
([4]) ينظر: بحار الأنوار: 76/273 .
([5]) بحار الأنوار: 24/252 .
([6]) الكافي: 8/216 .
([7]) بحار الأنوار: 40/236 .
([8]) مناقب آل أبي طالب: 3/22 .
([9]) الأغاني: 7/198 .