البَاحِث: سَلَام مَكّي خضَيّر الطّاَئِيّ
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلقه مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرين، واللّعن الدَّائِم على أعدائِهم، من الأَوَّلين والآخرين، إلى قيامِ يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ لأسلوب الحوار مع الآخرين، لا بدّ من أن يكون مُحَدَّدًا ضمن الأطر الأخلاقيَّة الإسلاميَّة، التي يفرضها مقتضى الحال أو المقام الحواري، ومن هذه الأساليب المعتمدة في الحوار مع الآخر هو (لين الكلام ولطافته ومقامه).
فلأسلوب لين الكلام ولطافته تأثيرًا كبيرًا في نفس المتلقي الذي يكون معه الحوار أو الحديث، وله تأثير عظيم في حسن المعاشرة وجذب القلوب وتحصيل الفوائد والكرم ويطلق على سعة الخلق والخير والفضل والشرف والجود والعزة والصفح والعظمة والتّنزّه عن مخالفة الخالق سبحانه، فهو من أجزاء التّواضع وعدم التَّكبّر على الآخر[1].
وإنَّ من طالع أقوال مولانا أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، وجدها قد حُفّت بالحكم التيّ تختصّ بأساليب حُسن الحوار ولين الكلام مع الآخر ولطافته، ممَّا يترتَّب عليه من آثار إيجابيَّة اتجاه المتكلّم نفسه، فروي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) إنَّه قال: (لين الكلام قيد القلوب)[2].
فمثلًا لو المتحدّث قد استعمل اسلوبًا حواريًّا آخر في الكلام غير اسلوب اللطافة واللين، لا أتصوَّر أن المقابل سينجذب إليه، بل العكس إنَّه قد ينفر منه ولا يصل إلى مبتغاه الذي من أجله دار الحوار مع الآخر.
مقام الكلام:
أمَّا مقام الكلام فينبغي أن يختار المرء الكلام المناسب للزمان والمكان المناسبين، فإن لهما تأثيرًا كبيرًا في نفس المُخاطَب، فمثلًا إذا أراد شخص أن يحاور شخصًا آخر، وهذا الآخر قد يكون في حالة من الحزن أو الألم أو حتى إذا كان في حالة من الفرح والسّرور، فيجب على المُحاوِر أو المتكلّم أن يختار الكلام الذي يُناسب المقام الذي فيه الآخر[3]، فروي عن أمير المؤمنين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) إنَّه قال: (لكل مقامٍ مقال)[4].
فالإنسان المؤمن يتوجب عليه أن يدرك المقام جيدًا، ليتسنَّى له كيفية المعاملة مع الآخر وأن يُعوِّد نفسه على كيفية ابداء اسلوبه الحواري وكلامه المناسب للمقام وأن لا يتكلَّم بكلامٍ خارج سياق المقام، كي لا يتعرَّض للنفور من المقابل وعدم الإجابة له وسماع رأيه، ولهذا فإن المؤمن إذا عوَّد نفسه أن لا يبدي رأيه وكلامه في المقام إلا بما يناسبه من الكلام، يجعل ذلك منه عادة يسير عليها في اسلوب حواره وطرح رأيه المناسب في المقام، فروي عن الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) إنَّه قال: (لسانك يقتضيك ما عودته)[5]، وذلك لأنَّ الإنسان قد يعرف من طريقة اسلوبه الحواري ومن كلامه مع الآخر، ماذا يحمل من أخلاق وما هي سريرته، فروي عن الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) إنَّه قال: (منقبة المرء تحت لسانه)[6].
وفي ختام موضوعنا هذا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الملتزمين بما أمرتنا به الشَّريعة الإسلاميَّة السَّمحاء، وصلَّى الله تعالى على سيِّدنا مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الأطهار، ولعن أعدائهم ومبغضيهم إلى قيام يوم الدِّين إنَّه سميعٌ مُجِيب...
الهوامش:
[1] ينظر: شرح أصول الكافي، المازندراني: 11/264.
[2] المحاضرات في اللغة والأدب، نور الدِّين اليوسي:1/131.
[3] المناظرات في الإمامة، الشَّيخ عبد الله الحَسَن: 35.
[4] ميزان الحكمة، مُحمَّد الّريشهري: 3/2743.
[5] المناقب، الموفق الخوارزمي: 375.
[6] المحاضرات في اللغة والأدب، نور الدِّين اليوسي:1/132.