الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.. وبعد...
الناس ثلاث أصناف كما صنفهم الإمام علي (عليه السلام) وقد تحدثنا عن صنفين، وهنا نتحدث عن الصنف الثالث: وهم (الهمج الرعاع) الذين وصفهم الإمام (عليه السلام) بقوله: (النَّاسُ ثَلَاثَةٌ - فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ ومُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ اَلْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ)[1].
قال ابن منظور: (والهَمَجُ: جمع هَمَجَةٍ، وهي ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحُمُرِ وأَعينها .. وفي حديث عليّ، رضي الله عنه: وسائرُ الناسِ هَمَجٌ رَعاعٌ ؛ شَبَّه عليٌّ (عليه السلام)، رَعاعَ الناس بالبعوض)[2].
ومن صفات هؤلاء أنهم ينعقون مع كل ناعق، قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[3].
وقد وصف سبحانه هؤلاء بالصم البكم العمي، لأنهم لا يبصرون النور، ولا يهتدون الى السبيل، وكل ذلك سببه جهلهم ورفضهم العلم والتعلم، وبغضهم للعلماء لذلك {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[4].
قال أمير المؤمنين ( عليه السَّلَام ) : (إِذَا أَرْذَلَ اَللَّهُ عَبْداً حَظَرَ عَلَيْهِ اَلْعِلْمَ)[5].
وقد صنف الإمام الصادق (عليه السلام) الناس على صنفين فجمع بين العالم والمتعلم وجعل الهمج الصنف الهالك فقال (عليه السلام): (الناس اثنان: عالم ومتعلم، وسائر الناس همج والهمج في النار[6].
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اغد عالما أو متعلما ، وإياك أن تكون لاهيا متلذذا )[7].
فالهمج هم أراذل الناس الذين لا نظام لهم في الحياة، كالخوارج الذين خرجوا على الإمام علي (عليه السلام) وحاربوه بلا بينة، وإنما اتبعوا الباطل فخذلوا الحق، فهؤلاء يندرجون مع هذا الصنف لأنهم لم يستضيئوا بنور الإمام وإنما اتبعوا أهواءهم فضلوا وأضلوا.
وكل من حارب الأنبياء والأوصياء من الأولين والآخرين يندرج مع هذا الصنف، لأنهم جهال لم يهتدوا الى الصراط فصاروا من أهل النار لجهلهم.
عن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن ياسين قال: (سمعت سيدي أبا الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) بسر من رأى يقول: (الغوغاء قتلة الأنبياء، والعامة اسم مشتق من العمى، ما رضي الله لهم أن شبههم بالأنعام حتى قال: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[8])[9].
ومثل هؤلاء أسرع الى الفتنة يحبون الهرج والمرج قاطعين السبيل قاطعين المعروف لذا وصفهم (عليه السَّلَام) بالهمج لفسادهم وفساد خلقهم فصاروا من شرار الخلق .
و قال (عليه السَّلَام) في صفة الغوغاء : (هُمُ اَلَّذِينَ إِذَا اِجْتَمَعُوا غَلَبُوا وَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَقِيلَ بَلْ قَالَ (عليه السَّلَام) هُمُ اَلَّذِينَ إِذَا اِجْتَمَعُوا ضَرُّوا وَإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا فَقِيلَ قَدْ عَرَفْنَا مَضَرَّةَ اِجْتِمَاعِهِمْ فَمَا مَنْفَعَةُ اِفْتِرَاقِهِمْ فَقَالَ (عليه السَّلَام) يَرْجِعُ أَصْحَابُ اَلْمِهَنِ إِلَى مِهْنَتِهِمْ فَيَنْتَفِعُ اَلنَّاسُ بِهِمْ كَرُجُوعِ اَلْبَنَّاءِ إِلَى بِنَائِهِ وَاَلنَّسَّاجِ إِلَى مَنْسَجِهِ وَاَلْخَبَّازِ إِلَى مَخْبَزِهِ)[10].
فنسأل الله أن يجعلنا من أهل العلم والمعرفة ونسأله حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
الهوامش:
[1] - نهج البلاغة: الحكمة: 147.
[2] - لسان العرب: 2 / 393.
[3] - سورة البقرة: 171.
[4] - سورة البقرة: 7.
[5] - نهج البلاغة، الحكمة: 288.
[6] - الخصال، الشيخ الصدوق: 39.
[7] - الكافي: 1 / 34.
[8] - سورة الفرقان: 44.
[9] - الأمالي، الشيخ الطوسي: 613.
[10] - نهج البلاغة، الحكمة: 199.