بقلم: الشيخ محسن علي المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
فأننا نقرأ في قالبها وقلبها ما يبعث الانبهار والخضوع والإكبار من صحائف النور وإشراق الحق وسعة الأفق، في عمق تفكير وامتداد نظر، وسمو ذات، ومحبة الخلق، وخشية الخالق.
«أمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ فِي سَرَائِرِ أُمُورِهِ وَخَفِيَّاتِ أَعْمَالِهِ، حَيْثُ لَا شَهِيدَ غَيْرُهُ، وَلاَ وَكِيلَ دُونَهُ.
وَأمَرَهُ أَلَّا يَعْمَلَ بَشَيْءٍ مِنْ طَاعَةِ اللهِ فِيما ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيَما أَسَرَّ، وَمَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وعَلَانِيَتُهُ، وَفِعْلُهُ وَمَقَالَتُهُ، فَقَدْ أَدّى الأمَانَةَ، وَأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ.
وَأمَرَهُ أَلاَّ يَجْبَهَهُمْ، وَلاَ يَعْضَهَهُمْ، وَلاَ يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا بِالإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمُ الإِخْوَانُ فِي الدِّينِ، وَالأَعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ.
وَإِنَّ لَكَ في هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيبًا مَفْرُوضًا، وَحَقًّا مَعْلُومًا، وَشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَة، وَضَعَفَاءَ ذَوِي فَاقَة، وإِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ، فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَإِلَّا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُومًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبُؤْسًا لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللهِ الْفُقَرَاءُ وَالمَسَاكِينُ وَالسَّائِلُونَ وَالمَدْفُوعُونَ وَالْغَارِمُ وَابْنُ السَّبِيلِ!
وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالأَمَانَةِ، وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ، وَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا الْخِزْيَ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى.
وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الأُمَّةِ، وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الأَئِمَّةِ، وَالسَّلاَم»[1].
وكفى به عهدًا وميثاقًا ودستورًا وهديًا يعالج مصدرًا من موراد الدولة الإسلامية في بليغ كلمه، وبلاغة محكمة مبنى ومعنى.
وإن شئت أن تتجسد تلكم الرؤى وبما تحفل به من إبداعٍ فكرًا ومقالًا وجلالًا وجمالًا، وكأنك من تولى أمرها، وشهد دورها فأمتع بصرك ودقق نظرك، وسر حيث السير، وقف حيث الوقوف، وتملّ التأمل حيث تقوى لترى أن أبعاد الإبداع في الشخصية الفذة لا يحاط بطرفها، فأفرغ لتلاوة وصيته في هذا المضمار، السابقة ذكرًا لهذا العهد، الذي قال عنه جامع النهج الشريف:
«وإنما ذكرنا هنا جملًا ليعلم بها أنه عليه السلام كان يقيم عماد الحق ويشرع أمثلة العدل، في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها»[2]»[3].
الهوامش:
[1] نهج البلاغة، الكتاب 26/382.
[2] نهج البلاغة /380.
[3] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 84-86.