بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
مع تطور الحياة المادية البشرية بدأ الاختلاف يدب بين الناس، وبدأ بعضهم يحاول استغلال بعض، {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشّـِرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}([1]).
ليعيدوا البشرية المنحرفة إلى طريقها الصحيح، عن طريق العمل على هداية الناس ؛ لأنَّ هدي الأنبياء ولاسيما هدي نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد اشتمل على جميع ما يرتبط بالسعادة التي هي غاية سعي الإنسان في حياته مطلقاً، فقد استدل على هذه الحقيقة السيد السبزواري في تفسيره بما ورد في نهج البلاغة من قول الإمام عليه السلام: ((اقتدوا بهدي نبيكم فأنَّه أفضل الهدى))([2]).
وانطلاقاً من هذه الأهمية احتل موضوع النبوة والأنبياء مساحة كبيرة من كتاب نهج البلاغة، فقد أولاه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام اهتماماً بالغاً، وعنايةً فائقةً، فقد أفرد ((لبيب بيضون)) في كتابه (تصنيف نهج البلاغة) فصلاً كاملاً اسماه ((النبوة الأنبياء)) في كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ([3]).
ومن أمثلة هذا الموضوع أيضاً ما روي عنه عليه السلام في خطبة له يذكر فيها خلق آدم عليه السلام: إذ قال ((وأهبطه إلى دار البلية، وتناسل الذرية، واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذَ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللّه إليهم، فجهلوا حقه، واتخذوا الأنداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعثَ فيهم رُسُلَهُ، وَواترَ إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيّ نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم الآيات المقدّرة))([4])
فقد ذكر السيد السبزواري هذه الخطبة في ذيل قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّين مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}([5])، بعد أن تعددت الآراء حول معنى الآية، فقيل أن الناس كانوا امة واحدة على الضلالة، بقرينة "{... فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّين...}، لأنَّ إرسال الرسل وإنزال الكتب إنما يكونان لرفع الضلالة.
وقيل أنَّ المراد من الآية المباركة انَّ الناس أمة واحدة من حيث بعض الأمور الاجتماعية الفطرية، فلا غنى لهم عن الاجتماع والتعاون، والاجتماع يؤدي بالطبع إلى الاختلاف والتشجار، فلذلك بعث الله الأنبياء والمرسلين([6]).
ثم بعد ذكره لهذه الآراء أفاد السيد (رحمه الله) الحكمة من بعثة الأنبياء من قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الوارد في نهج البلاغة بقوله ـ أي صاحب المواهب ـ(( أقول: إنَّ هذه الخطبة تشتمل على حكمة بعث الأنبياء وإرسال الرسل عليهم السلام وأنّهم يدعون إلى الفطرة الإنسانية، كما أنّ الفطرة تدعو إليهم أيضاً، فهم مع الفطرة متلازمان في الواقع، ولكنّ الفطرة بوجودها الوجداني لا تكفي في نوع الإنسان للداعوية فلا بد من تكميلها بحجة خارجية، وهي الأنبياء والرسل))([7]).
ثم إنَّ المفسر وقف على بعض مفردات خطبة الإمام عليه السلام بالشرح والتحليل، الأمر الذي يظهر أهمية تلك الخطبة في بيان المراد من بعثة الإنبياء عليهم السلام[8].
الهوامش:
([1]) البقرة، 213.
([2]) مواهب الرحمن، 14/ 178، ونهج البلاغة، 1/ 216.
([3]) ظ : تصنيف نهج البلاغة، لبيب بيضون، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، 1414هـ، ط/ 3، 188ـ 203.
([4]) نهج البلاغة، 23.
([5]) البقرة، 213.
[6])) مواهب الرحمن، 280
([7]) مواهب الرحمن، 3/ 294.
([8] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 146-148.