بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد:
في هذه الحكمة الشريفة مضامين عالية جداً وعلاجات لحالات اقتصادية يعاني منها السوق العالمي عامةً، ويحاول الخبراء تقديم دراسات حولها، وحلول لها؛ من أجل السيطرة على الحاجة البشرية المتزايدة، ولمواجهة التضخم السكاني، وازدياد البطالة وغيرها مما كثر طرحه على الساحة.
وقد بدأ الإمام عليه السلام مع الإنسان بداية مطمئنة؛ من خلال تأكيده لضمان رزق العبد، والرزق هو: ما ينتفع به الإنسان من لوازم حياتية، كالأكل والشرب والدواء والملبس والمسكن، وغيرها حتى الجاه والنفوذ، وأن جميع ذلك قد تكفل به تعالى للمخلوقين جميعاً، دون أن يكون لهم دور في وصول الرزق
وبناءاً على ذلك – الضمان – فلا داعي للقلق، ولا للتحسب للمستقبل، وما يحمله من مفاجآت وازدياد في السكان، أو البطالة عن العمل؛ إذ المدة التي يعيشها الإنسان غير معلومة فإذا أراد استباق الأحداث والزمن فكم يخزن؟ وإلى متى يبقى على تلك الحال؟ وفي أي مكان يبحث أو يطلب وسواها من الأسئلة التي لا تتمكن الإجابة عنها لعدم المعرفة بأمد بقاء الإنسان حياً.
إذن لا موجب لأن يهتم الفرد – كبيراً أم صغيراً، رجلاً أم امرأة مكفولاً أم غير مكفول- ويفكر فيما سيأتي؛ لأنه أمر مجهول.
ثم ذكر عليه السلام الإنسان بأنه في كل يوم يعيشه، سيواجه عدداً من القضايا، التي تشغل وقت الإنسان، وتنسيه حرصه على ممارسته طبيعته البشرية، فلماذا الاهتمام بما لا فائدة منه؛ لأنه لو بقي فرزقه مضمون؛ فالسنة بما تعنيه من مدة طويلة، إن عاشها الإنسان فعلا فمضمونة بدون مداخلة العبد، وأما إذا لم يعشها، فلماذا يهتم الإنسان لشيء قد لا يبلغه فيزداد قلقاً وتعباً، بلا فائدة له من ذلك.
ثم بين عليه السلام حقيقة أخرى مطمئنة للنفوس إذ تخفف عن الإنسان ما يضغط عليه من عوامل نفسية – داخلية – توجب قلقه، وهي أن ما قسمه الله تعالى من الرزق لمخلوق لا يكون لغيره أبداً، مهما كان الجهد المبذول لاستخلاصه من المقسوم له- والشواهد على ذلك كثيرة- بحيث لا يحول البعد المكاني او الزماني عن الوصول بالوقت المقرر، فإذا تيقن الإنسان المؤمن بذلك ، عرف أن المستعجل لا يحصل فوق المقدر له، والبمطئ لا يذهب عنه شيء إلى غيره، نعم على الإنسان أن يبذل الجهد المناسب ويزاول العمل المناسب؛ لأنه الوسيلة للارتزاق؛ إذ للوسائل الاعتيادية من الاعمال والمهارات التي ينتجها الإنسان بمختلف انحائها المشروعة، دورا واضحا في استيفاء الرزق المضمون فيلزم الانسان الإيمان بأن الله تعالى خلقه وتكفل برزقه ولكن لا بد من التسبب لذلك بأن يسعى في سبيل التحصيل فينفع غيره ونفسه[1].
الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص 178-180.