بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي
الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
وبعد:
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا (فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ)[1] مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وقُرَاضَةِ الْجَلَمِ واتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ[2].
شرح الألفاظ الغريبة:
الحُثَالَةِ – بالضمّ -: القشارة وما لا خير فيه، وأصله ما يسقط من كل قشر.
الْقَرَظِ – محركة - : ورق السلم أو ثمر السنط يدبغ به. الجَلَم – بالتحريك - : مقراض يجز به الصوف وقراضته: ما يسقط منه عند القرض والجز[3].
شرح ابن ميثم البحراني:
قوله: ((فلتكن الدنيا في أعينكم)) إلى آخره:
أمر للسامعين باستصغار الدنيا واحتقارها إلى حد لا يكون في أعينهم ما هو أحقر منها، فإن حثالة القرظ وقراضة الجلم في غاية الحقارة.
والمراد من هذا الأمر، وغايته: الترك لها، فإنّ استحقار الشيء واستصغار يستتبع تركه والإعراض عنه.
ثمّ أمرهم بالاّتعاظ بالأمم السابقة فإنّ في الماضين عبرة لأولي الأبصار، ومحل الاعتبار: ما كانوا فيه من نعيم الدنيا ولذاتها، والمباهاة بكثرة قيناتها، ثم مفارقتهم لذلك كلّه بالموت وبقاء الحسرة والندامة للمستكثرين منها، حجباً حايلة بينهم وبين الوصول إلى حضرة جلال الله.
ونبههم بقوله: ((قبل أن يتعظ بكم من بعدكم)) على أنهم مضطرون إلى مفارقة ما هم فيه وسيصيرون عبرة لغيرهم، وفائدة الأمر بالاتعاظ أيضاً الإعراض عنها، والإقلاع والاغترار بها.
ثمّ لّما أمرهم بهذه الأوامر التي ليست صريحة في الترك أردف ذلك بالأمر الصريح بالترك، فقال: ((وارفضوها ذميمة)): أي اتركوا ما حاله الحقارة والذمامة.
ثمّ نبّه بعده على ما يصلح علة لتركها، وهو عدم دوام صحبتها وثباتها لمن كان أحب منهم لها: أي ولو دام سرورها ونعيمها لأحد لدام لأحب الخلق لها وأحرصهم على المحافظة عليها فلما لم تدم لمن هو أشدّ حبّاً لها منكم، فبالأولى أن لا تدوم لكم، وإذا كان طباعها رفض كل محب؛ فالأحرى بذي المروّة اللبيب الترفع والإعراض عمّن لا تدوم صحبته، ولا تصفو محبته وبالله التوفيق[4]) ([5]).
الهوامش:
[1] ما بين القوسين في نهج البلاغة تحقيق العطار: أصغر في أعينكم.
[2] نهج البلاغة لصبحي صالح: 76/ خطبة رقم 32، ونهج البلاغة للشيخ العطار: 94/ خطبة رقم 32 وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 2: 63/ ضمن الخطبة رقم 31، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 88.
[3] شرح الألفاظ الغريبة: 577.
[4] شرح النهج لابن ميثم البحراني 2: 72/ شرح الخطبة رقم 31.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 26-28.