بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
مما يتعرض له الإنسان في المناقشات العلنية التي تتم أمام مشهد من الناس مهما قلَّ أو كثر العدد: هو حالة الإصرار على الرأي وعدم الإذعان للرأي الصواب؛ وهذا الإصرار على الرأي مما يعني العناد والتواصل في الخط السلبي للمناقشة وهو مالا يقبل في أمثال ذلك، لأن القاعدة التي يسير عليها المتناقشون – عادة – هو التسليم للحق أينما ظهر ومتى ما ظهر من دون ما تردد أو تعصب، وأما لو حدث العكس فسيؤدي سلباً على رأي المعاند المصر فلا يحترم رأيه ولا يصغى لقوله بل قد يتعامل معه بالمثل فتخرج القضية عن حد المعرفة إلى حد إثبات الوجود وإبراز العضلات والتحديات الممقوتة في المناقشات العلمية التي يتطلب من ورائها الوصول إلى الحقيقة، وهذا أمر مستمر في سائر الأزمان ولا يتحدد بزمن دون آخر بل تجده حتى في أرقى المراكز العلمية وأزهى العصور الثقافية لأن ذلك الإصرار والعناد نابع من أصالة الإنسان في الداخل وتجذر الحالة الأنانية عنده وهو شيء طبيعي، لكن يؤمل من المناقش النزيه التخفف منه شيئاً فشيئاً لتتمحض القضية بأنها توصل إلى الحقيقة لا تغلب على الخصم وإنما الخلاف ما دام النزاع قائماً فإذا انتهى انتهت بذلك السخونة الحوارية التي تولدت من احتكاك الطرفين أو الأطراف بالكلام وعلو الصوت وما إلى ذلك من طبيعيات المناقشة والمذاكرة العلمية.
وقد دعا الإمام عليه السلام إلى التنزه والابتعاد عن روح المقاومة السلبية والإصرار على الرأي من دون ما دليل مقنع وموجه لأن الإنسان طالب حقيقة فإذا وصل إليها لابد له من الإذعان والاعتراف بأنها حقيقة يجب الوقوف عندها وترك المجادلات الجانبية لأنها لا تثمر شيئاً مرضياً.
فالدعوة إذن إلى الرفق في المناقشات وعدم التعنت والتعند بل {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ليتضح الأمر لكل متعلم ولا يتيه في غمار المناقشات والأصوات العالية والأخذ والرد والجدل بل على المتناقشين إدراك حقيقة مهمة وهي أمانة تاريخية بأن يحفظوا الجيل المتعلم الناشئ فلا يظهرون أمامه سلبيات نفوسهم وعقدهم الحياتية وتأثراتهم الشخصية بما لا ينتج نتيجة وإلا لفقد الرأي احترامه وما ذلك إلا من اللجاجة([1]).
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 315-317.