الأخلاق من نهج البلاغة الحلقة الثانية/ تقييمه عليه السلام للدنيا بعد أن سمع رجلاً يذمها

سلسلة قصار الحكم

الأخلاق من نهج البلاغة الحلقة الثانية/ تقييمه عليه السلام للدنيا بعد أن سمع رجلاً يذمها

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-01-2023

بقلم: الشيخ محسن علي المعلم

((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
ذكرنا في الحلقة السابقة ما حمله النص الشريف من نقاط وهي:

أولاً- ضعف النفس والنظرة الضيقة. وثانياً- موطن التبصر والاعتبار. وثالثاً- داؤك ودواؤك. وسنتناول في هذه الحلقة الصورة المشرقة للدنيا، فليست الدنيا فقط مرتعاً للغرور والأباطيل، وملعباً للشهوات والنزوات بل هي الدار المتسعة لمواطن الخيرات، الحافلة بجهات البركات، العامرة أرجاؤها بمباهج العطاء والمسرات المخصبة بمكامن القربات.
ويتحفنا الإمام -عليه صلوات ربّه- بمتنوع تلكم المناحي فيقول عنها:
أ) دار صدق:
فمن صدقها ورعى الحق أفاد منها، وعمرها بالخير عاجلاً وآجلاً.

ب) دار عافية:
ولكم لمن وعاها فسلم من بلائها وآفاتها مما يبتلى به من تعلق بأسباب الهلكة وبواعث العطب.

ج) دار غنى:
فيتزود مما فيها لآخرته زاداً، زاهداً في امتلاك بعضها أو كلها لذاتها اذ ليس هذا تزوداً وإنما هو الاكتناز وحب المال حبًّا جمًّا.

د) دار موعظة:
يمر فيها الإنسان عبر مراحل حياته وتفاوت أدواره وأطواره وليداً ويافعاً وكهلاً وشيخاً أضعفه أرذل العمر، فقيراً وغنياً وملكاً ورعية يَظلم ويُظلم، لا تستقر في أيامها أوضاع شدة ورخاء وصراع وتقلبات.
وكل هذا واعظ ومبصّر ولافت ومذكّر.
هـ) مسجد أحباء الله.
و) مصلّى ملائكة الله.
ز) مهبط وحي الله.
ح) متجر أولياء الله.
فالأرض جعلت مسجداً وطهورًا، وأحباء الله يعلمون أن أفضل القربات إلى الله مولاهم الصلاة يستكثرون منها ليلا ونهارا فهم في ذلك قد اتخذوا الدنيا مسجدا والحياة معبدا والدنيا بذلك عامرة بذكر الله وعلي القائل هذا القول هو القائل المقالة الأخرى المعبرة:
«الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة، فإن الجنة فيها رضا نفسي، والجامع فيها رضا ربي»[1].

 وكما عمرها أحباء الله من البشر فكذلك عمرها أحباؤه من الملائكة وهم الأكثر عددًا والأدوم عبادة.
وفي هذا ما يأخذ بابن آدم إلى الفخر حيث يشارك خيرة الله من خلقه الذين ملأ بهم سماءه وأرضه ويحاكيهم في أنماط من عبادة مولى الخلق ورب العالمين.
والملائكة أمناء وحي الله وحملة علمه وهديه سفرة كرام بررة يهبطون به من عرش الله نسخة من اللوح والقلم صحفا مطهرة على الصفوة المنتخبة والخيرة المنتجبة فكان من ذلك التوراة والانجيل والزبور وصحف ابراهيم وموسى والقران العظيم والذكر الحكيم وشاركت الدنيا السماوات العلا حيث يتنزل من الاعلى ويهبط إلى الدنيا فيملأ أرجاء الأرض كما ملأ آفاق السماء.
وبماذا تنال الجنة ويبلغ ماينعم فيها مما لاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب بشر؟!
إن ذلك يدرك بالاتجار مع الله بصالح الأعمال، والمتجر الدنيا وأولياء الله يعملون ليل نهار فيها، «الدنيا مزرعة الآخرة»، ومن ثم فقد غنموا اكتساب الرحمة وربحوا الجنة.
وبعد...
فإذا كانت الدنيا بهذه السمة وعظيم الشأن والمنزلة معمورة لصفوة الله وخالصة أوليائه مملؤة بألطافة ممنوحة باتحافه فهي ترتقي بذلك لتكون لمن عقل ووعى من شاكلة الجنة وسنخها[2].

الهوامش:
[1] بحار الأنوار 80/362.
[2] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 107-110.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2800 Seconds