شرح حكم الإمام علي عليه السلام الحكمة (14) قال عليه السلام: أَعْجَزُ الناسِ مَنْ عَجِزَ عَنِ اكتِسابِ الإخْوانِ وأعْجَزُ منه مَن ضيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ منْهُم

سلسلة قصار الحكم

شرح حكم الإمام علي عليه السلام الحكمة (14) قال عليه السلام: أَعْجَزُ الناسِ مَنْ عَجِزَ عَنِ اكتِسابِ الإخْوانِ وأعْجَزُ منه مَن ضيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ منْهُم

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-10-2023

بقلم: د. قاسم خلف السكيني.

الحمد لله رب العالمين، عليه نتوكل وبه تعالى نستعين، سبحانه (الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره). وصلوات ربي الزاكيات، وسلامه الموفور بالخير والبركات، على خير خلقه، وخاتم رسله، محمد وعلى آله الطاهرين.

وبعد:
قال عليه السلام: أَعْجَزُ الناسِ مَنْ عَجِزَ عَنِ اكتِسابِ الإخْوانِ، وأعْجَزُ منه مَن ضيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ منْهُم[1]
قال البحراني في تفسير هذه الحكمة: (في الكلمة حث على مكارم الأخلاق، لأن الإخوان لا يكتسبون إلا بها، وإنما جعل العاجز عن تحصيله أعجز الناس، لأن ذلك لا يحتاج إلى إتعاب قوة بدنية ولا إعمال فكرة، وإنما يفتقر إلى كرم الأخلاق وحسن المعاشرة، والملاقاة بالبشر والطلاقة، وهي أمور طبيعية في أكثر الناس، وهو أهون الأشياء عليهم. فكان العاجز عنها أعجز الناس، عما هو مقدور لهم. وإنما جعل من ظفر به منهم ثم ضيعه أعجز لأن المكتسب لابد له من كلفة ما في اكتسابهم، وأما الظافر فهو غير محتاج إلى ذلك القدر من الكلفة. فكان سبب حفظ الأخوان أسهل من سبب تحصيلهم، وكان المضيع لحفظهم أعجز من اكتسابهم لعجزه عن حفظ الأمر الأسهل). والمقصود من هذه الحكمة اتخاذ الأخوان المؤاخين، والحفاظ على محبتهم، والحث على الاحتفاظ بمودتهم، وصلتهم، ومواساتهم، والوقوف معهم. لأن أمور الحياة تتطلب مثل هذه المواقف، وهنا فكر اجتماعي تثيره الحكمة وتنبه عليه. إذ كثيراً ما نهمل أصدقاء أعزاء علينا في زحمة الحياة. ويبدو لي أن هذا الكلام يرتقي إلى الفتيا بوجوب اتخاذ الإخوان والاحتفاظ بصلتهم لأن حكمه (عليه السلام) بمثابة الأحكام الشرعية إن جاز التعبير. بقي أن نذكر أنه وردت في المعارج إشارة مهمة في أثناء الشرح وهي: أن اتخاذ الأخوان ينبغي فيه توفر عنصر الاتفاق في الأخلاق، والميول، والرغبات، لئلا يصف الجبان الشجاعة تهوراً، والجبن حكمة، والكرم تبذيرا....، لأن اختلاف الأذواق لا يديم صفو المودة.
وننبه هنا على أن اكتساب الإخوان يختلف عن التعرف عليهم، كما يشاع اليوم، لأن الأخ الموافق هو كسب في حقيقته، وإن إخوان الصفاء ذخيرة، وليس تعارفا فحسب. ويؤيد هذا المعنى قول الشاعر:
لَعَمْرُكَ ما مالُ الفَتَى بِذَخِيرَةٍ                   ولكنَّ إِخْوانَ الصَّفَاء الذَّخائِر[2] )[3].

الهوامش:
[1] رويت دون خلاف في: العيون 126، و الحدائق 2/605، والمنهاج 3/564 والمعارج ص 401، وشرح ابن أبي الحديد 18/112، وشرح البحراني 5/245، والمصباح ص579.
[2]  ورد البيت في شرح ابن أبي الحديد 18 / 112، والبيت لابي الجراح العقيلي ينظر عيون الأخبار 2/53.
[3] لمزيد من الاطلاع ينظر: شرح حكم الإمام علي وتحقيقها من شروح نهج البلاغة: للدكتور قاسم خلف مشاري السكيني، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص39-40.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3613 Seconds