بقلم: الشيخ محسن المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
«اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، وَلاَ الْتمَاسَ شِيءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلكِنْ لِنَرِدَ المَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الْإِصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، فَيَأْمَنَ المَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ المُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ. اللهُمَّ إِنّي أَوَّلُ مَنْ أَنابَ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ، لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ بِالصَّلاَةِ»([1]).
وهذا المقطع أشبه بالمناجاة والضراعة إلى الله تعالى منه بالخطاب لأمة أختلفت نفوسها وتشتت قلوبها، وعصفت بها الأحداث والتقلبات، وغيرت وبدلت مسيرتَها مسيرةُ الحاكمين قبله وتربيتُهم التي ألفوها واستمرؤها، فلما أراد حملهم على جادة الحق ونهج الصدق نفروا نفور المعزى من وعوعة الأسد.
وتكشف هذه المناجاة بواطن المبتهل بها وسرائره كما برهنت على عمقها وصدقها أفعالُه وانفعالاتُه كافة أيامه ومختلف أدواره.
فعلي الحق وممثل الحق جسّد الواقعية والموضوعية بمنتهى الدقة وكمال الانضباط فهو -سلام الله عليه- مع ما يرى (تراثه نهبًا) وأقام الحجة على حقه إلا أنه لم يثرها حربًا شعواء ولا جنح إلى فتنة بل أعلن شعاره:
«لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي، وَوَاللهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ المُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً، الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وزِبْرِجِهِ»([2]).
وعاش الصبر وكابد المحنة طويلًا من الدهر محتسبًا، فلما فاء الحق والناس إليه كشف لهم عن سر قبوله واستجابته لانثيالهم عليه وما هو قائم به فيهم.
وقد سجل في هذا المقطع شؤونًا ذات شجن وشجون من السنن المضاعة والحدود المعطلة والفساد المستشري في البلاد والعباد.
كما أبان عن دوره الطبيعي في القيام بأعباء الإمامة، فعلي الإمام المرتضى صنو النبي المصطفى -صلى الله عليهما وآلهما- أول من أناب وسمع وأجاب وثاني اثنين صليا للهِ تبارك وتعالى)([3]).
الهوامش:
([1]) خ 131 /189.
([2]) خ 74 /102.
([3]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص176-177.