الباحث: محمد حمزة عباس
من حكمة له ( عليه السلام ) قال: (يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَه يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَه، وأَنْتَ تَعْصِيه فَاحْذَرْه)[1].
إنَّ كلَّ عاقل يحكم بالضرورة أنَّ شكر المنعم واجب، والله سبحانه أنعم علينا نعماً لا تعد ولا تحصى فيجب شكره عقلاً، فحينما يشكر العبد ربَّه يزيده الله من فضله، أما إذا عصى وكفر بأنعمه والله تتابع عليه بالخيرات فليحذر من هذا الحال، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [2].
روي في (الكافي) عن سفيان بن السمط قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنَّ الله إذا أراد بعبد خيرًا فأذنب ذنبًا أتبعه بنقمة ويذكره الاستغفار، وإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار، ويتمادى بها، وهو قول الله (عز وجل): {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}[3]. بالنعم عند المعاصي)[4].
وقوله تعالى :{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[5].
فالإمام علي (عليه السلام) يحذر الإنسان الذي أنعم الله عليه من نعمه وهو يعصيه، لأن كل معصية يليها عقاب وإن تأخر، وعقاب الدنيا أهون من عقاب الاخرة، فمن حكمة له (عليه السلام) قال: " مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ " [6].
فعلى الإنسان أن يعرف ما يضره لكي يتحرز منه، فقد يكون تتابع النعم فتنة إذ ليس كل خير ظاهري يعد خيراً فقد يكون شرًا للإنسان، فمن حكمة له (عليه السلام) قال: (ما خير بخير بعده النار، وما شر بشر بعده الجنة)[7] .
فالخير الذي يسبب لصاحبه الفتنة ويدخله النار ليس بخير وإنما هو ابتلاء عظيم، أما ما يدخل صاحبه الجنة وإن كان ظاهره شراً فهو بلاء يليه خير، قال تعالى : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[8].
ومن كلام له (عليه السلام): (فلا تعتبروا الرضا والسخط بالمال والولد جهلا بمواقع الفتنة والاختبار في مواضع الغنى والاقتدار، وقد قال سبحانه وتعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ}[9]، أي لا تظنوا أن أموالكم وأولادكم تقربكم من الله؛ بل أعمالكم التي تقربكم الى الله، فهناك من يظن أن الله حينما يزيده من مال وبنين يعني أنَّه راضٍ عنه، وعلى عكسه الذي ليس له مال ولا أولاد، والله يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}[10]، وقال (عليه السلام): (المال مادة الشهوات)[11].
وقد يكون لبعضهم المال والجاه ولكنَّه بعيدٌ عن طريق الهداية له قرين سوء يصده عن سبيل الحق، ومنهم من يزيده الله من نعمه فيكفر بها فتصبح عليه نقمة، فقد روي عن عمرو بن شمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنِّي لألحس أصابعي من المادوم حتَّى أخاف أن يرى خادمي أنَّ ذلك من الجشع وليس ذلك كذلك، إنَّ قومًا أفرغت عليهم النعمة، وهم أهل الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوها هجاء، فجعلوا ينجون بها صبيانهم حتَّى اجتمع من ذلك جبل قال: فمر رجل صالح على امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها فقال: ويحكم، اتقوا الله لا يغير ما بكم من نعمة، فقالت: كأنَّك تخوفنا بالجوع ما دام ثرثارنا يجري فإنَّا لا نخاف الجوع قال: فأسف الله (عز وجل) وأضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء ونبت الأرض، قال: فاحتاجوا إلى ذلك الجبل قال: فإن كان ليقسم بينهم بالميزان)[12].
فالعاقل يحترز من الخير الكثير؛ لأنَّه ينسي ذكر الله ويشغل صاحبه في هذه الدنيا، والانشغال بها يقسي القلب، يقول الإمام (عليه السلام): (أعقل الناس أنظرهم في العواقب)[13]، وعنه (عليه السلام): (العقل يوجب الحذر) [14].
وفي الختام نسال الله حسن العاقبة.
الهوامش:
[1] - نهج البلاغة، الحكمة: 25.
[2]- سورة النور الآية : 63
[3]- سورة الاعراف الآية : 182 .
[4]- الكافي – الشيخ الكليني . ج2 / ص452 / ح1 .
[5]- سورة الانعام – الآية : 44
[6]- نهج البلاغة – تحقيق محمد عبده . الحكمة 60 / ج4 / ص514 .
[7]- نهج البلاغة – تحقيق محمد عبده . الحكمة 386 / ج4 / ص583 .
[8]- سورة البقرة الآية : 216
[9]- نهج البلاغة الخطبة القاصعة تحقيق محمد عبده . ج2 / ص318
[10]- سورة الانفال – الآية : 28
[11]- نهج البلاغة – تحقيق محمد عبده .الحكمة 59 / ج4 / ص514
[12]- وسائل الشيعة (ال البيت ) الحر العاملي ج24 / ص383 / ح1 .
[13]- موسوعة أحاديث أهل البيت ( ع ) الشيخ هادي النجفي . ج7 / ص29 / ح22 .
[14]- ميزان الحكمة – محمد الريشهري . ج3 / ص2033 .