البَاحِث: سَلَام مَكّيّ خضَيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله تعالى على سيّدنا وشفيعنا ونبيّنا مُحمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، الذين أذهَب الله تعالى عنهم الرّجس وطهَّرهم تطهِيرًا، واللّعن الدَّائم على أعدائهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
بعد أن بيّنا في موضعٍ سابق ما هو الحاكم؟ وما هي صفاته؟ ففي هذا الموضوع سوف نتطرّق إلى واجبات الحاكم اتجاه رعيّته وما يترتّب عليه من واجبات ومهام يتحتّم عليه عدم المساس بها وعدم الخلل في تطبيقها وتأديتها.
فمن أهم ما يجب على الحاكم العادل والحكومة الإسلاميَّة أن يتعامل مع رعيّته ضمن الإطار الإسلامي وعدم الخروج عنه، فالدِّين الإسلامي عند مجيئه لم يأتِ بالمحسوبيَّة والمنسوبيَّة والدرجات الخاصَّة، وأن يكون التَّعامل تعاملًا انسانيًّا في جميع المجالات، وبما للكلمة من معنى، ويشاهد ذلك بوضوح في حكومة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)[1].
فالرّعيَّة مخلوق من المخلوقات التي خلقها الله تعالى، وهم نظائر للحاكم وليس هو أفضل منهم وعليه أن لا يُميّز نفسه عنهم، فالمسؤولية هي الأشياء التّكليفيَّة وليس التّشريفيَّة، فليس من أخلاقيات الإسلام أن الحاكم يكون شعوره بأنَّه أفضل من الرَّعيَّة التي هي من نصَّبته وجعلته حاكمًا يتصرَّف بأمورهم على وفق التَّعاليم الإسلاميَّة وليس على وفق قوانين يُصيغها هو لنفسه، لكي يستعملها لمآربه الشَّخصيَّة.
وكذلك إنَّ ممَّا يترتَّب على الحاكم العادل المُختار والمُنَصَّب من قِبل الشَّعب أو الرَّعيَّة مجموعة من الحقوق التي لا بد له أن يقوم بها وتنفيذها: وهي توفير المستلزمات التي تضمن للفرد العيش الكريم والحياة السَّعيدة، وأن يراعي حدود الله تعالى، وأن يكون عادلًا في تطبيقه لقوانين الحكم والعمل بها بما يوافق الشَّريعة السّمحاء، وأن يكون داعية إسلاميَّة، يأمر المعروف وينهى عن المنكر والظّلم والبغي، ولا يظلم أحدًا على حساب سعادة الآخر، ويٌقيم حدود الله تعالى، ولا يسوغ القوانين لمصلحته أو لمصلحة فئة معينة على مصلحة فئة أخرى، وارجاع الحقوق المغصوبة والمسلوبة من النَّاس الضّعفاء التي سُلِبَت من قبل ذوي النّفوس الضَّعيفة والخارجين عن القانون الشّرعيّ إلى أصحابها.
وأن يكون الحاكم مع المظلوم حتى ينتصر على الباطل، وأن يقوم بتوزيع الأموال الخاصَّة ببيت المال التي هي مُلك للرَّعية أو الشَّعب وليست مُلكًا للحاكم ويكون توزيعها عادلًا بالسّويَّة على مستحقّيها.
ومصداقًا لمل تقدَّم من كلام، هو ما روي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) أنَّه قال في خطبةٍ له: (أيها الرعاء إنَّ لرعيتكم عليكم حقوقًا: الحكم بالعدل والقسم بالسَّويَّة)[2].
هذا وعلى الحاكم العديد من الواجبات الأخرى التي لا مجال لذكرها، لكن أهم نقطة منها لا بد لذكرها وهي متى ما رأى الحاكم نفسه غير مرغوبٍ فيه من قبل الرَّعيَّة عليه الخروج والتّنحيّ من الحكم حرصًا على حفظ لحمة المجتمع والرعيَّة من التفرقة.
وعليه أيضًا من الواجبات أن يحترم آراء رعيّته في كلّ ما يصدر عنه من فعل أو كلام أو حُكم، ويضمن حريتهم في تعبيرهم عن رأيهم وحمايتهم، فإنّ كان مُستجيبًا لمطالب رعيّته ويحكم بينهم بالعدل ممتثلًا لقوانين الشّريعة الإسلامية السّمحاء، كان هذا الفعل أحبّ إلى الله تعالى، وهذا ما يؤكّده قول الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام): (وما من حسنة أحب إلى الله (عزَّ وجلّ) من حكم إمامٍ عادل)[3].
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يمنَّ علينا بالخير والبركة وأن يجعلنا من شيعة آل بيت النَّبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) ومحبّيهم ومواليهم، وأن يكتب لنا بِمُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين (صلَّى الله عليه وآله) بكلّ حرفٍ من مقالنا هذا حسنة إنَّه سميعٌ مُجِيب...
الهوامش:
[1] ينظر: فقه العولمة، السَّيِّد مُحَمَّد الحُسَيني الشِّيرازي: 168.
[2] الاستذكار، ابن عبد البرّ: 8/449.
[3] المصدر نفسه: 8/449.