الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الْحَمْدُ لله الأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ قَبْلَه، والآخِرِ فَلَا شَيْءَ بَعْدَه، والظَّاهِرِ فَلَا شَيْءَ فَوْقَه، والْبَاطِنِ فَلَا شَيْءَ دُونَه، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله.
وبعد..
من صفات الوالي أن يكون عالماً فطناً له معرفة بالأحكام السماوية ليستطيع أن يسير الحياة بالشكل الصحيح، لذلك توجب على الأمة أن يختاروا الحاكم العالم وأن يتجنبوا الجاهل، كي لا يضلوا بجهله، يقول الإمام عَلَيّ (عليه السلام): (وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اَلْوَالِي عَلَى اَلْفُرُوجِ وَاَلدِّمَاءِ وَاَلْمَغَانِمِ وَاَلْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْبَخِيلُ ... وَلاَ اَلْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ).
فالحاكم الجاهل يجرف الأمة إلى الهاوية، وقد شهد العالم كثيرًا من هؤلاء الحكام حيث الدمار والخراب وسفك الدماء وتعطيل الأحكام السماوية، وقد تحدث القرآن الكريم عن الأمم الذين هلكوا بسبب اتباعهم الحكام الجهلة، فكم من قرية دمرت وخربت بسبب جهلهم.
ولقد ملك الحكم بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قوم، وأحدثوا كثيرًا من بعده ولولا أن الإمام (عليه السَّلَام) كان يتدارك كثيرًا من أحكامهم لرجع المسلمون الى عصر ما قبل الإسلام حيث الجهل، ولكن الإمام (عليه السلام) عالج كثيرًا من تلك الشبهات، وحكم بما كان يحكم به رسول الله ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) وقد شهد له جميع من حكم قبله.
ففي رواية سئل أبو بكر عن الكلالة فقال: أقول فيها برأيي، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأ فمن نفسي ومن الشيطان، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) فقال: ما أغناه عن الرّأي في هذا المكان، أما علم أنّ الكلالة هم الإخوة والأخوات من قبل الأب والأمّ، ومن قبل الأب على انفراده، ومن قبل الامّ أيضًا على حدّها؟ قال تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ...﴾[1]، وقال تعالى : ﴿... وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ...﴾[2].[3]
قال العلامة التستري بعد روايته لهذا الحديث: (أشار (عليه السَّلَام) إلى أنّ درجة جهله كانت بحيث لا تفرّق بين المنصوص وغير المنصوص)[4].
فلا يستوي العالم والجاهل شتان ما بين الاثنين، قال عليّ بن ميثم لأبي الهذيل: ألست تعلم أنّ إبليس ينهى عن الخير كلّه، ويأمر بالشرّ كلّه؟ فقال: نعم، فقال: أفيجوز أن يأمر بالشّرّ كلّه وهو لا يعرفه، وينهى عن الخير كلّه وهو لا يعرفه؟
قال: لا، فقال له: قد ثبت أنّ إبليس يعلم الشّرّ كلّه والخير كلّه، قال: أجل، قال: فأخبرني عن إمامك الذي تأتمّ به بعد الرّسول (صلَّى اللّه عليه وآله)، هل يعلم الخير كلّه، والشرّ كلّه؟ قال: لا، قال : فإبليس أعلم من إمامك إذن، فانقطع أبو الهذيل[5].
يقول ابن ابي الحديد: (كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه، ويفتي بضده وخلافه، قضى في الجد مع الأخوة قضايا كثيرة مختلفة، ثم خاف من الحكم في هذه المسألة فقال: من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه.
وقال مرة: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) إلَّا ارتجعت ذلك منها، فقالت له امرأة: ما جعل الله لك ذلك، إنه تعالى قال: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾[6]، فقال: كل النساء أفقه من عمر، حتى ربات الحجال!)[7].
وكان الحكام الثلاثة يتعرضون الى كثيرٍ من الاسئلة حتى أحرجوا كثيراً، فكانوا يستعينون بعلي (عليه السَّلَام) وهذا شاهد على أنَّه (عليه السلام) أفقههم في الدِّين، وكان لعمر أحكام كثيرة في حياته لولا أن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) تداركها، لقصمت ظهر الإسلام حيث أمر برجم الحامل ورجم المجنونة والمضطرة وغير ذلك من الأحكام الأخرى، ولعمر عبارة مشهورة وهي (لولا عَلِيّ لهلك عمر)[8]، وهذه العبارة شاهد على جهله في الأحكام.
وفي الختام نسأل الله حسن العاقبة والتوفيق لفعل الخير.
الهوامش:
[1] - سورة النساء: 176.
[2] - سورة النساء: 12.
[3] - الإرشاد، الشيخ المفيد: 1 / 200.
[4] - بهج الصباغة: 2 / 565.
[5] - الفصول المختارة، الشيخ المفيد: 23.
[6] - سورة النساء: 20.
[7] - شرح ابن أبي الحديد: 1 / 182.
[8] - الاستيعاب، ابن عبد البر: 3 / 1103.