الباحث: سلام مكي خضير الطائي
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاةِ والسَّلَام على أشرف الخلقِ والمُرسلين، أبي القاسمِ مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، واللعن الدَّائِم على أعدائهم وقاتليهم ومبغضيهم ومغتصبي حقّهم وناكري مكانتهم إلى قيامِ يومِ الدِّين إنَّه سَمِيعٌ مُجِيب...
أمَّا بعد...
فإنَّ في هذا الشهر وهو جمادى الأولى، من كل عام، تمرّ علينا فاجعة أليمة تنعصر قلوبنا بسببها من الحزن والألم، وهي شهادة سيدة نساء العالمين السَّيِّدة الطَّاهِرة المُطَهَّرة بضعة نبي الرَّحمة مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وزوجة وصيّه وابن عمّه أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، وأم الحَسَنين سبطي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، السَّيِّدة فَاطِمَة الزَّهراء الزَّكيَّة (عليها السَّلَام).
فالمطالع عندما يقرأ العنوان لهذا المقال المتواضع بحقّ السَّيِّدة فَاطِمَة الزَّهرَاء (عليها الصَّلَاة والسَّلَام)، يسأل: على من غاضبة (عليها السَّلَام)؟ ولماذا غاضبة؟
رحلت هذه البُضعة الطَّاهِرَة (عليها السَّلَام) وهي غاضبة على من نصَّبوا أنفسهم زورًا حكَّامًا على الأُمَّة بعد شهادة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، مع العلم بوجود مستحقّي الخلافة الشّرعيِّين، بنص القرآن الكريم والسّنَّة المطهَّرة عليهم ، فاغتصبوا الخلافة من أهلها، الذين قال الله تعالى فيهم (عليهم السَّلَام): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[1].
وإنّ النَّبي (صلَّى الله عليه وآله)، أكَّد على آل بيته (عليهم السلام)، إذ قال فيهم: (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها وقع في النَّار)[2].
لكن لم يلتزم القوم بهذه النّصوص الشّرعيَّة وبما فيها من تأكيد على إتّباع آل بيت النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، ففي أثناء ما اشتدَّ المرض برسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وقُبيل أن تذهب نفسه الزَّكيَّة إلى الباري (عزَّ وجل)، عقد هؤلاء القوم المخالفين له (صلَّى الله عليه وآله) في وصيَّته للإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) من بعده الخليفة للأمة الإسلاميَّة اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة المشؤومة، فبايعوا لأنفسهم، من دون رضى الله تعالى ورسوله الكريم وآل بيته الأطهار (عليه وعليهم الصَّلَاة والسَّلَام).
وقد جرى على الأمّة ما جرى من ظلم وويل وحيف، لا سيما على آل بيت الرَّسُول (صلَّى الله عليه وآله) وأتباعهم وأشياعهم، فبعد غصب الخلافة من الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، قاموا بزعامة عمر بالاعتداء على حرمة بيت النَّبوَّة ، المتمثّل بهجومهم على بيت أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، يريدون أن يبايعهم على خلافتهم الزائفة الباطلة، وكسرهم ضلع بضعة الرَّسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) السَّيِّدة فاطمة الزَّهَراء (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام).
بالإضافة إلى قيام أبي بكر بغصب السَّيِّدة الزَّهراء (عليها السَّلَام) حقّها وإرثها (أرض فدك) وهذه الأرض كانت قد نحلها إيَّاها أبيها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فأخذ تلك الأرض منها (عليها السَّلام) ولم يبالِ حرمة آل بيت مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) حين قال فيهم: (وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)[3].
فليس هناك عاقل يسمع بهذا الحديث ويعيه ويفهم منه أن القرآن الكريم وآل بيت النَّبي (صلَّى الله عليه وآله) متصلين اتّصالًا وثيقًا، ولهم حرمة ومكانة واحدة، عند الله تعالى وعند نبيّه الأكرم (صلَّى الله عليه وآله)، ويرى تأكيد الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله)، على أهل بيته (عليهم السَّلَام)، حين قال فيهم: (أذكركم الله في أهل بيتي)، مُكرّرًا تلك العبارة ثلاث مرات، ويجرأ على مخالفتهم ومعاداتهم.
فهذا الأمر الذي حدث من غصب حقوق وهجوم وانتهاك حرمة، ممَّا يجعل الخالق سبحانه يغضب، فكيف لا تغضب سيِّدة نساء العالمين السَّيِّدة فاطمة الزَّهرَاء (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)؟
فغضبت (سلام الله عليها) غضبًا شديدًا ولم تسامح من ظلمها وغصب حقّها، وذلك لما في الأمر من جهالة هؤلاء الظلمة بحرمة آل بيت النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، بالإضافة إلى ذلك أنَّ هؤلاء قوم منافقون لم يدخل الاسلام في قلوبهم، بل اسلموا كرهًا، لأنهم لو كانوا مسلمين حقيقيين، لقاموا بتطبيق الدّين الإسلامي بكلّ صغيرة وكبيرة، ولو كان إسلامهم صادقًا لتمسّكوا بالقرآن واتّبعوا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وأوصت مولاتنا الزهراء الإمام عَلِيًّا (عليه السَّلَام) أن تُدفن في الليل، حتى لا يُصلَّي عليها أحدٌ منهم.
وختاما، لا يسعنا إلَّا أن نقول: صلَّى الله تعالى على نبيّه مُحَمَّدًا نبيّ الرَّحمة وآل بيته الأطهار، ولعن الله تعالى من أنكر مكانتهم وغصب حقّهم وظلمهم، من الأولين والآخرين، إلى قيامِ يوم الدِّين، إنّ سميعٌ عليم...
الهوامش:
[1] الأحزاب: 33.
[2] الكافي في الفقه، أبو الصَّلَاح الحلبي: 97.
[3] الخلاف، الشَّيخ الطُّوسيّ: 1/28.