عمَّار حسن الخزاعي:
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين..
أمَّا بعدُ فإنَّ شرح حدائق الحقائق حريٌّ بأن نسطِّر فيه بعض الكلمات التي تُعرِّفه للقارئ على نحوٍ موجز، وسنعتمد في بيان ذلك على مجموعةٍ من الفقرات، على النحو الآتي:
التعريف بالشارح:
هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن الحسن البيهقيّ النيسابوريّ, الشهير بـ(قطب الدين الكيدري)([1]) الى كيدر وهي قرية من قُرى بيهق([2]), أو الكيذري([3]) نسبة الى كيذر من قُرى بيهق . وهو أديب متكلم, شاعر من علماء الإمامية في القرن السادس, وكان معاصرًا لقطب الدِّين الراوندي (ت: 573هـ )([4]) صاحب (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة)، ولم تذكر المصادر تاريخ ولادته أو وفاته إلَّا أنَّ بعض الباحثين نصَّ على أنَّه كان حيًّا عام (578 هـ)([5]) . وقد وصفه من ترجم له بعباراتٍ تدلُّ على الرِّفعة وعظم المنزلة العلميَّة، وممَّا قيل فيه: فاضل, فقيه, متبحِّر([6])، وقيل أيضًا: ((الشيخ الفقيه, الفاضل الماهر, الاديب الأريب, البحر الزاخر))([7]), وممَّا قيل أيضًا: ((الإمام الأجل العالم الزاهد المحقّق المدقّق، قُطب الدين تاج الإسلام، مفخر العلماء مرجع الأفاضل... أدَّب نفسه كلَّ الآداب حتى ظفر بمقصوده، وعَثَر على منشوده))([8]) .
التعريف بالشرح:
حدائق الحقائق هو شرح مختصر لنهج البلاغة, عرض المؤلِّف فيه مسائل من علوم شَتّى كالطب والفَلَك ونحوها, وهو شرح لغويّ كلامِيّ, وقد أتَمَّه الكيدري في أواخر شهر شعبان سنة (576ه)([9])
المصادر المعتمدة في الشرح
وعند تصفُّح شرح الكيدريّ يمكن لنا أن نتلمَّس أهمَّ المصادر التي اعتمدها في شرحه، وهي: القرآن الكريم؛ إذ طالما يستعين بالآيات القرآنيَّة من أجل بيان معنى أو الاستدلال على فكرةٍ معيَّنة، ثمَّ السُّنَّة النبويَّة، وكان يستشهد بها كثيرًا في أثناء شرحه، ثمَّ روايات أهل البيت (عليهم السلام)، وقد انتشرت على أغلب نواحي شرحه، ثمَّ بعد ذلك نجد المعجمات ولا سيَّما صحاح الجوهري، وكتب النحو ولا سيَّما كتاب سيبويه (ت180هـ), ومدونات أبي عليٍّ الفارسي (ت: 377هـ) .
منهج الكيدري في حدائق الحقائق
بدأ الكيدري بمقدِّمة بَيَّن فيها سبب تأليفه للشرح فقال: ((اقترح عَلَيّ أحد العلماء أن أشرح نهج البلاغة مستهدياً فيه بكتابي المعارج([10]) والمنهاج([11]), مبدياً لؤلؤهما المكنون, وكل ما رأيته مفيداً فيهما, مستهدفاً تتمة لهما وموضحاً ما خفي على مؤلفَيهما, وأتيت فيه بنوادر في اللغة والأمثال))([12]) . ويمكن لنا أن نُلخِّص المنهج الذي اتَّبعه الكيدريُّ بشرحه بجملةٍ من النقاط الموجزه على النحو الآتي:
1. لم يعتمد الكيدريّ على طريقة واحدة في عرض محتوى النهج؛ بل كان يمازج في طريقة عرضه، فكان يعرض في بعض الأحيان نصًّا واحدًا كأن يكون خطبةً أو كتابًا أو حكمةً ثمَّ يورد الشرح عليها، وفي أحيانٍ أُخرى يعرضُ مجموعةً من النصوص ثمَّ يحلِّلها دفعةً واحدة .
2. كان الكيدريُّ يعتمد في شرحه على تقسيم نصِّ النهج على شكل فقراتٍ ثمَّ يبدأ بشرح كلِّ فقرةٍ على حدة، فيعمدُ إلى بيان المفردات وتوضيح ما غمض منها، ثمَّ يتطرَّق إلى الموقع الإعرابي للمفردة مبيِّنًا أثره في تكوين الدَّلالة ممَّا يجعل شرحه غنيًّا بالدَّلالة النحويَّة .
3. كان صاحب منهجيَّةٍ تكاد أن تكون رصينةً في عرض شرحه؛ فهو يبدأ من المفردة ثمَّ إلى الجملة ثمَّ إلى مجموع النَّص، وهذا يجعله منطقيًّا في العرض والبيان .
4. عندما يعرضُ الكيدريُّ آراء العلماء السابقين فإنَّه يعرض الرأي ثمَّ يبدأ بنقده أو تأييده .
والخلاصة فإنَّ الكيدريَّ قد أضاف بشرحه لنهج البلاغة معارف جمَّةً تنوَّعت على نواحٍ شتَّى، وأهمُّها المعرف الدِّينيَّة واللغويَّة، فهو عالم وفقيه وأديب ومحقِّق ومدقِّق، وكان عازمًا على أن يستدرك بشرحه للنهج ما فات السابقين من الشُّرَّاح، وقد أضاف الكثير، وكان موفَّقًا في كثيرٍ من إضافاته .
أسألُ الله تعالى أن يجعل جهده في شرحه للنهج مضاعفًا في ميزان حسناته، وأن يلفَّه برحمته الواسعة .
الهوامش:
([1]) ينظر: عجالة المعرفة في أصول الدين: 12 , أعيان الشيعة: 9/38 .
[2])) ينظر: كشف الحجب والأستار :42, الكنى والألقاب: 3/74.
[3])) ينظر: النوادر : 26, الفوائد الرجالية: 3/247 .
[4])) ينظر: الكنى والالقاب: 3/74.
([5]) ينظر: الذريعة: 8/13.
([6]) ينظر: أمل الآمل:2/220 , معجم رجال الحديث: 15/85 .
([7]) الكُنى والألقاب : 3/74.
([8]) أعيان الشيعة : 9/250.
[9])) ينظر: الذريعة :3/80, الغدير:4/187.
([10]) المقصود (معارج نهج البلاغة) للبيهقي المعروف بفريد خراسان .
([11]) المقصود (منهاج البراعة) لقطب الدين الراوندي .
[12])) حدائق الحقائق: 1/69-70.