بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحلقة الثانية: أثر عقيدة الرّواة في حديث الولادة.
عكف بعض الحفاظ الذين صنفوا في الحديث والسيرة والتراجم على التّمسّك بولادة حكيم بن حزام في جوف الكعبة من دون أن يبادر أحدهم إلى مناقشة هذا القول ودراسته ليرجح عنده صحته أم بطلانه؛ فذهب إلى القطع بوقوعه وتكذيب غيره من دون أن يقدم دليلاً علمياً على ذلك.
ولعل البعض يرى أن السبب في عدم مناقشة هذه الأقوال هو أنّها لا تعني للمسلم شيئاً وذلك لأنّها لا ترقى إلى كونها ضرورة من ضرورات الفقه إذ لا تعد من العبادات ولا من المعاملات؛ لذا أعرض الحفاظ عن نقاشها.
وأقول: وإن كانت هذه الحادثة لم ترقَ إلى كونها ضرورة من ضرورات الفقه إلا أنها ضرورة من ضرورات العقيدة التي هي قوام هوية المسلم وسبيله لأخذ الأحكام الشرعية، فلو ذهبت العقيدة ذهبت معها أحكام الإسلام؛ فالمسلم الذي تأخذ الصلاة والزكاة والحج وغيرها من الفرائض بعنقه لأدائها هي عقيدته الإسلامية وليس قراءته للحكم الفقهي وإلا تصبح الصلاة من دون العقيدة الإسلامية عبارة عن حركات رياضية، ويصبح الصيام برنامجاً صحياً، ويصبح الحج نزهة وتسوقاً؛ وهذا أولاً.
وثانياً: لو لم تكن هذه الحادثة لها من الأهمية العقديَّة لما عكف الحفاظ على نقلها؛ بل إن تركهم لمناقشة الأقوال الواردة فيها مرده العقيدة، وهذه بعض ألفاظهم الكاشفة عن عقيدتهم في الحادثة ولذلك لم يدرسوا واقعها العلمي.
1ــ قال الحافظ النووي: (ولم يصح أن غيره ولد في الكعبة)([1])، بمعنى أن هناك من ولد في الكعبة وهو غير حكيم بن حزام لكن الحافظ النووي لم يناقش الأقوال فيقنع المسلم بصحة ولادة حكيم بن حزام، فهذا يكشف عن عقيدته وليس عن علمه.
2ــ وقال أيضا: (حكيم بن حزام رضي الله عنه ومن مناقبه أنه ولد في الكعبة! قال بعض العلماء ولا يعرف أحد شاركه في هذا)([2])؟؟!
وهنا: يظهر عقيدته في الرواية وليس علمه أو درايته بها.
3ــ قال الحلبيّ بعد أن أورد ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة، وقيل: (الذي ولد في الكعبة حكيم بن حزام، قال بعضهم: لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة، لكن في النّور حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأما ما روي أن عليا ولد فيها فضعيف عند العلماء)([3])!؟؟
وهنا: لم نلحظ الحلبي قد قام بمناقشة القولين وإنما سلّم لما يعتقد به هو في أن علياً لم يلد في الكعبة بل، ذهب إلى اعتماد الضعف في الرواية دون أي دليل علمي.
4ــ قال ابن أبي الحديد: (واختلف في مولد علي أين كان، فكثير من الشيعة يزعمون أنه ولد في الكعبة، والمحدثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام)؟
وهنا:
يكمن الخبر اليقين فالمحدثون لا يعترفون بأن المولود في الكعبة عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)؛ لأن هؤلاء المحدثين خشوا ــ ربما ــ من خالد القسري حينما سأله ابن شهاب الزهري قائلاً: (إنه يمر بي الشيء من سير عَلِيّ بن أبي طالب فأذكره؟
فقال خالد القسري وهو أحد ولاة بني أمية: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم)([4]). نعوذ بالله من سوء المنقلب.
ولأن المحدثين لم يروا أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) فيما قال خالد القسري فهم لذلك لا يعترفون بولادة عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، لأنّهم لا يرون الكعبة! فكيف يرون أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) قد ولد فيها.
إذن:
الأمر مرتكز على العقيدة التي بها تتكون هوية المسلم وبها تظهر ملامح شخصيته وثقافته، إلا أننا لا نسلك طريق هؤلاء الحفاظ وإنما نسلك طريق البحث والدراسة والمناقشة لهذه الأقوال فما رجح منها أخذنا به وما سقط أعرضنا عنه فيما يزيد المسلم إلا جهلاً وبعداً عن الله تعالى...
كما سيمر لاحقًا إن شاء الله تعالى في بقية الحلقات.
الهوامش:
([1]) المجموع: ج2، ص66.
([2]) شرح صحيح مسلم للحافظ النووي: ج2، ص142.
([3]) السيرة الحلبية: ج1، ص226.
([4]) الأغاني للأصفهاني: ص358.