بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحلقة الخامسة: مناقشة قول الحلبي صاحب السيرة في نفيه ولادة الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) في الكعبة.
قال أبو الفرج علي بن إبراهيم الحلبي (المتوفّي سنة 1044هـ) في حديثه عن السيرة النبوية والموسومة بـ(إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون): (وقيل، الذي ولد في الكعبة حكيم بن حزام، قال بعضهم: لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة لكن في النور ــ أي كتاب النور ــ حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة ولا يعرف لغيره وأما ما روي أن عليا ولد فيها فضعيف عند العلماء).
أقول: إن كان قول ابن أبي الحديد من أظرف الأقوال فان من أعجبها قول الحلبي الذي ملئ بالمتناقضات وهي كالآتي:
1ــ إن هذا القول لا يتعدى كونه تبعاً لتلك الأقوال غير العلمية، فما معنى أن ينسب المتكلم الحادثة التاريخية إلى: (وقيل) من دون أن يأتي بسند أو مصدر معتبر لهذا (القول)، ثم يمضي الحلبي في هذا الأسلوب ليتبع هذا (القيل) بلفظ: (قال بعضهم)، ومن هم؟ لا أحد يعلم سوى الحلبي، بل حتى الحلبي لا يعلم من هم، وإلا لأورد أسماءهم!!
2ــ وأما قوله (لا مانع من ولادة كليهما) فسرعان ما تراجع عنه، فقد رجح عنده، وهذه المرة متبعاً اعتماد المصدر كي يوقع القارئ فيما ينسجم مع عقيدته ــ فيقول: (لكن في النور ــ ولم يقل كتاب النور ــ حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة، ولا يعرف لغيره) وهذه العبارة مرت علينا آنفاً.
فصاحب كتاب النّور الذي ينقل عنه الحلبي معذور فهو لم يعرف علي بن أبي طالب (عليه السَّلَام) لا في الدنيا ولا سيعرفه في الآخرة ولذلك قال في ولادة حكيم: (ولا يعرف لغيره) أنه ولد في الكعبة!!
وأما عدم وجود (المانع في ولادة كليهما) فهو من الطّرائف التي لا تجد ضوابط في طرح ما ترويه لذا: هي طريفة، ولو أتبعت هذه الطرائف الموانع الشرعية والعقلية والعرفية لما سميت بالطريفة، وقول الحلبي: (لا مانع من ولادة كليهما) من الطرائف وكأن بيت الله الحرام هو بيت للعموم، أو هو دار خصص لولادة نساء قريش فأي واحدة ضربها المخاض خرجت لبيت الله الحرام فنفست فيه، وذلك لعدم وجود موانع من ذلك فليس للبيت حرمة أو تعظيم أو قداسة كما يعتقد أهل (لعقة الدم).
3ــ وأما قوله (وأما ما روي أن علياً ولد فيها فضعيف عند العلماء) نحن وإن كنا قد ناقشنا هذه العبارة (عند العلماء) في قول الحافظ النووي.
إلا أنها فيها الكفاية عن بيان ضياع المنهج العلمي عند الحلبي حينما اتبع التعارض في الأقوال بين: (وقيل الذي ولد في الكعبة حكيم بن حزام) ثم ليرتفع في سلم الخطاب فيجمع الرجلين في الحدث في قوله: (لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة).
ثم ليدفع بهوى نفسه وعقيدته في عَلِيّ بن أبي طالب كأسلافه، فيوهم القارئ بأن علي بن أبي طالب لم يولد في الكعبة؟!
ليشتت بذاك ذهن القارئ وليدفعه إلى الاعتقاد بأن المولود في بيت الله الحرام هو حكيم بن حزام بعلة تضعيف العلماء لحدث ولادة الإمام عَلِيّ (عليه الصَّلَة والسَّلَام) ومن ثمَّ فنحن أمام انموذج آخر من ثقافة القراءة والتَّصاغر أمام حدث ولادة الإمام عَلِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في بيت الله الحرام.