بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة – قراءة تعريفيَّة

مقالات وبحوث

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة – قراءة تعريفيَّة

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 27-04-2020

عمَّار حسن الخزاعي:
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلقه مُحَمَّد وآله الطَّاهرين...
وهو شرح لكتاب نهج البلاغة ألَّفه العلامة التستري، متبعًا فيه المنهج الموضوعي، فكان أول شرح موضوعي لنهج البلاغة، وقد بلغت موضوعاته ستين موضوعًا بحسب مادَّة كتاب النهج، وفي كلِّ تلك الموضوعات كان التستري بارعًا في الشرح والتبويب والتدقيق والمتابعة، ولم يخلُ شرحه من بيانٍ للحوادث التاريخية، وذكرٍ للشواهد الأدبية، وشرحٍ لمسائل النحوية والمعجمية . وسنحاول في هذه العجالة تقديم فكرة تعريفية موجزة عن هذا الشرح الذي يمثل في الحقيقة تحفةً علميَّة مهمَّة، وسيكون ذلك على شكل عدَّة محاور نوردها على النسق الآتي:
أوَّلًا: اسم الشارح وشيء من حياته:
هو الشيخ محمد تقي بن الشيخ كاظم بن الشيخ محمد علي بن الشيخ جعفر بن الشيخ حسن بن الملا علي بن علي بن حسين التستريّ([1])، والده الشيخ العالم المجتهد محمد كاظم([2]) . أمَّا ولادة الشارح فكانت في النجف الأشرف عام 1320ﻫ وبقي فيها حتى السابعة من عمره، ثمَّ سافر أبوه إلى مدينته الأصليَّة (تُسْتُر) بعد أن أتمَّ دراسته الحوزويَّة في النجف، وفي (تُسْتُر) اشتغل الشارح وكان ما يزال يافعًا على الدَّرس والقراءة على أيدي علماء تلك المدينة حتَّى بدت معالم الحرب التي قادها الحاكم رضا شاه بهلوي للإسلام وأحكامه ولا سيّما (الحجاب)، وهنا هاجر الشيخ التستري إلى كربلاء سنة (1351ﻫ)، وفيها واصل دراسته لدى العلاَّمة آغا بُزُرك الطهراني، ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة (1354ﻫ) إلى أن نال فيها إجازة الرواية، ثم عاد في سنة (1360ﻫ) إلى بلدته (تُستُر)([3]) . وكان الشيخ التستري خصبًا في التأليف وذو نهجٍ شمولي، فقد ألَّف في تخصُّصاتٍ شتَّى تنوعت ما بين التاريخ، والتراجـم، والفقـه، والأصـول، والعقائــد، والحديث([4])، توفي الشيخ التستريّ يوم 19 ذي الحجة، من عام (1415ﻫ)، ودُفِن في (تُستُر)([5]) .
ثانيًا: التعريف بالشرح ومنهج التأليف والمصادر المعتمدة
وهذه الفقرة سندرسها بمجموعةٍ من المحاور على النحو الآتي:
1.   دوافع التأليف:
دفعت المؤلِّف مجموعة من الدَّوافع لهذا الشرح، ولعلَّ أهمَّها ما صرَّح به الشارح في مقدِّمته من أنَّه أراد شرحًا يعتمد على الأخبار الموثوقة، والأخبار التي يمكن أن يُتجُّ بها على المخالفين، وفي هذا المعنى يقول: (( فرأيت أن أكتب بعون الله تعالى شرحاً جامعا فيه من التأريخ والأدب واللغة، والأخبار القويّة، والآثار التي تكون حجة بقدر الحاجة، وفي محلّ يكون فيه مناسبة، مع ذكر عناوين الكتاب بقدر الوسع، وأمَّا الشرَّاح المتقدّمون فلم يقفوا في كثير منها على مداركها أصلاً))([6]).
2.   نقد من سبقه من شُرَّاح النهج:
انتقد التُستري الشُّراح الذين سبقوه، واجتهد في بيان ما وقعوا فيه من أوهامٍ وتأويلاتٍ متكلَّفة وأخبارٍ ضعيفة، وقد أشار إلى ذلك بقوله: (( وشرح ابن أبي الحديد وإنْ ادَّعى أَنَّهُ تأريخي أدبي إلاَّ أنَّ فيه معايب، ففي بعض الموارد يفرّط في نقل التاريخ حتَّى يمكن أنْ يجعل ما نقل تاريخاً مستقلاً، وكان عليه أنْ يقتصر على المقدار المناسب للعنوان، وفي بعض الموارد لا ينقل شيئا أصلاً، وأمّا شرح ابن ميثم  فمذاقه مذاق الفلاسفة، يرتكب كثيراً تأويلات غير صحيحة، ويعلّلُ بِعللٍ عليلة، وشرح الخوئي  ليس فيه سوى الإكثار من الأخبار الضعيفة، مع اقتصاره على ما ورد من طريقنا الذي لا يكون حجة على غيرنا، مع قلّة اطلاعه على التاريخ، فتبع ابن ميثم في كثير من خبطاته المتقدِّمة))([7]) .
3.   منهج التأليف
انتهج التستري في شرحه نهجًا مغايرًا لمن سبقه من الشُّرَّاح، ذلك أنَّه ألّفهُ على شكل موضوعات، وجعله في ستين فصلًا، ابتدأها بالتوحيد، وختمها في فصل موضوعات مختلفة([8]) . وقد أشار التستري إلى منهجه وأسلوب دراسته فقال: (( وليس دأبي دأبَ أكثر الشرّاح يذكر اللاحق ما قاله السابق في صورة الإنشاء منهُ، فإنَّه نوعٌ من السرقة، فما كان من غيري أنسبه إليه، وما فيه بلا نسبة فهو منّي، وحيث إنَّ ترتيب المصنِّف للكتاب بالخطب، والكتب، والكلمات القصار ترتيب لفظي، أحببتُ ترتيبه بالمعنى ، فجمعت ما يكون راجعاً إلى التوحيد مثلاً في موضع، وما يكون راجعاً إلى النبوّة في موضع، وإلى الإمامة في موضع، وهكذا كلّ موضوع))([9])، وأضاف في بيان كيفيَّة تعامله مع اللغة والإعراب وبيان المعاني فقال: ((واقتصرت في شرح الفقرات من الإعراب واللغة والتفسير على المشكلات التي تحتاج إلى ذلك، لا في كلِّ فقرة كما فعله بعضهم لكونه لغواً ، كما أنَّهُ ذكرت اللّغة عند كل فقرة وكلمة، ولم أجمعها بعد العنوان كما فعل الشراح لئلاّ يكون الفهم في محلِّ الحاجة صعباً))([10]) . هذا البيان من حيث الإطار العام لمنهج الشرح، وأمَّا في حال الغوص إلى أدواته المعتمدة في تعامله مع النصوص فيمكن أن نوضِّحها بجملةٍ من النقاط أهمَّها:
1.   توثيقه للنُسخ المعتبرة لشروح نهج البلاغة، ثمَّ الاعتماد عليها في تصويب متن النج وتوثيقه، وكان في كثيرٍ من الأحيان ينقد النسخة المصريَّة لما فيها من تصحيفٍ وتحريف .
2.   العناية الشديدة ببيان الأخبار التاريخية عند البدء في شرح أيِّ فقرة، مبيِّنًا ما ورد فيها من آراء، وبعد ذلك ينتهي إلى بيان ما يعتمده من معنى لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) .
3.   العناية ببيان الأساليب البلاغية والمعاني المجازيَّة من كناية وتشبيه واستعارة، وغيرها .
4.   العناية بالإعراب قدر ما يتعلَّق ببيان المعنى وتوجيه الألفاظ من دون الإسراف فيه .
5.   دافع في كثيرٍ من الأحيان عن الرَّاوندي، وردَّ كثيرًا من اشكالات ابن أبي الحديد المعتزلي .
4.   المصادر المعتمدة:
1.   القرآن الكريم:
اعتنى التستري بالشواهد القرآنيَّة عنايةً خاصَّة، فهو كان يورد الآيات القرآنيَّة مستدلًّا بها على المعاني، أو محتجًّا بها في التأصيل لقاعدةٍ نحويَّةٍ أو مثبتًا بها حدثًا معيَّنًا، ولذلك جاء شرحه خصبًا وثريًّا من حيث وجود الآيات القرآنيَّة .
2.   الحديث النبوي الشريف:
وهذا الصنف من الشواهد لا يقلُّ عمَّا سبقه من حيث الأهميَّة في الاستشهاد، وكان التستري يتوقَّى منها الأحاديث الصحيحة من حيث السند والمتن، ولا يقتصر عمَّا ورد في خصوص المنظومة الشيعية؛ بل يتعدَّى ذلك إلى الاستشهاد بما ورد في مدونات المسلمين من أجل أن يكون حجَّة عليهم، ولم يقف عنده الاستشهاد بالحديث النبوي عند هذا الحد؛ بل كان يسعى به إلى اثبات المعاني المقصودة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكان يجعل من الحديث النبوي حجَّة في اثبات تلك المعاني .
3.   كلام العرب:
كان التستري ذا ثقافةٍ بكلام العرب بكلا صنفيه المنظوم والمنثور، وكان يعتمد عليه في الاحتجاج على المعاني المقصودة من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكان يورد في بيان المعاني أو في شرح المسائل النحويَّة والاستدلال عليها أبياتًا من الشعر أو مقطوعاتٍ ممَّا ورد عن العرب في نثرها، معتمدًا في ذلك على أكثر المصادر دقَّة .
4.   المؤلفات:
اعتمد التستريّ على عدد كبير من المؤلَّفات في شرحه، وقد جاءت متنوعة ما بين، التفسير، والحديث، واللغة، والنحو، والأدب، والبلاغة، والتاريخ، وكتب الرجال، وما تقدَّمه من شروحاتٍ للنهج، وقد استشهد بأقوال كثير من علماء اللغة كأبي الأسود الدؤلي (ت69ﻫ)، والخليل (ت175ﻫ)، وسيبويه (ت180ﻫ)، والكسائي (ت189ﻫ)، والأصمعي (ت216 ﻫ)، وابن السّكّيت ( ت224ﻫ)، وابن قتيبة (ت 276ﻫ)                     والمبرد ( ت285ﻫ)، والجوهري ( ت393ﻫ)، وعبد القاهر الجرجاني (ت471ﻫ)، والزمخشري (ت538ﻫ) وغيرهم . وقد استقى من هؤلاء العلماء بياناتهم النحويَّة والمعجميَّة والبلاغيَّة، وكان يستشهد بها في التأصيل لما ينتهي إليه .
وفي الختام نقول بأنَّ شرح التستري من المؤلفات المهمَّة في تخصُّصها فقد جاء شموليًّا متنوِّعًا مازجًا بين علوم الدِّن واللغة على اختلاف مفاصلها، وكان موسوعيًّا يُتابع المعلومة في أكثر من مصدرٍ ومورد، ولذلك فإنَّنا نرى من الحريِّ جدًّا الاهتمام بهذا الشرح دراسةً وقراءة وشرحًا . نسأل الله تعالى أن يمنَّ على مؤلِّفه بالرحمة والرضوان وأن يجعل ما بذل فيه من جهدٍ مضاعفًا في ميزان حسناته إنَّه سميع مجيب.
الهوامش:
([1]) ينظر: طبقات أعلام الشيعة للشيخ (آغا بُزُرك الطهراني): 1 / 265 .
([2]) ينظر: قاموس الرجال مقدِّمة التحقيق: 1 / 5 .
([3]) ينظر: معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام 2 / 690 .
([4]) ينظر: قاموس الرجال 1 / 8 .
([5]) ينظر: ينظر : الأوائل: 10 .
([6]) بهج الصباغة 1 / 126 .
([7]) المصدر نفسه: 1 / 124 ـ 125 .
([8]) ينظر : بهج الصباغة 1 / 126 ـ 128 .
([9]) بهج الصباغة: 1 / 126 .
([10]) المصدر نفسه: 1 / 126 .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2815 Seconds