الإمام الحسين (عليه السلام) يدعو للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وهو في لحظاته الأخيرة.

مقالات وبحوث

الإمام الحسين (عليه السلام) يدعو للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وهو في لحظاته الأخيرة.

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-08-2020

بقلم: السيد نبيل الحسني

الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين...
إن التأمل في الدعاء الملكوتي لسيد الشهداء (عليه السلام) يفرض في ساحة الذهن مجموعة من الأسئلة التي لم أجد لبعضها أجوبة سوى حالة من الدهشة والذهول اللذين ترافقا مع الزمان والمكان والحال الذي عليه سيد الشهداء (عليه السلام)، فضلا عن بديهيات إسلامية أخذت بحجزة التأمل فأناخت به في باحة الولاء لتتلقى رشقات من سحب الفيوضات القدسية فكان كالآتي:

السؤال الأول: أي فرج يريده سيد الشهداء (عليه السلام)؟
ترى أي فرج يريده الإمام الحسين (عليه السلام) وهو في اللحظات الأخيرة لعروجه إلى ساحة القدس واللطف الإلهي؟

أي فرج هذا الذي استحق كل هذه المقدمات الملكوتية فيبدأها بـ (اللهم متعال المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت تدرك ما طلبت، شكور إذا شكرت، ذكور إذا ذكرت)([1]).

فإذا عددتها وجدتها سبع عشرة صفة من الصفات الإلهية، تليها ستة احتياجات ارتبطت بمقام العبودية لله تعالى وهي: (الاحتياج، والفقر، والخوف، والبكاء، والضعف، والعجز)، ليليها بعد ذلك تقديم طلبه وحاجته بين يدي الله تعالى فكانت ضمن محورين، وهما (الحكم) و(الجعل).

«اللهم احكم بيننا وبين قومنا، واجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً.

وبين الطلب بالحكم وجعل الفرج والمخرج كان التشفع بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . ليكون النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) . هو المعني في إجراء الحكم والجعل الإلهيين، وهذا من الحقائق الغيبية التي اكتنزها الدعاء، فيتشفع (عليه السلام) بمن كان علة لخلق الخلق وسبيلاً لنزول الفيض للخلائق:

{هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}([2]).

فيقدم بين يدي الله عز وجل أربعة من مقامات رسول الله . وهي: (النبي، والحبيب، والمصطفى، والمؤتمن) وهي من أعظم الحرمات التي لا يردّ معها حاجة، وهذا أولا.

وثانيا: فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . هو المقصود في هذه الواقعة فـ (المغررون، والمخذولون، والمغدورون، والمقتولون) هم عترته وولده، ولذا قال:

«نحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد.

وإن هذا التغرير والخذلان والغدر والقتل أسس له بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . في سقيفة بني ساعدة، فأول من تعرض للخذلان والغدر والقتل هي بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .، ثم أمير المؤمنين علي، ثم الإمام الحسن ثم الإمام الحسين (عليه السلام)، ولم ينتهِ الأمر عند كربلاء وفاجعة سيد الشهداء (عليه السلام)، وإنما استمرت هذه الجرائم الأربع (التغرير، والخذلان، والغدر، والقتل) في عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . وولده (عليهم السلام).

ولذا: يسأل الله تعالى أن يجعل لهم، أي عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وولده (عليهم السلام)، من أمرهم فرجاً ومخرجاً.

السؤال الثاني: كيف يتحقق الفرج والمخرج لسيد الشهداء وهو على رمضاء كربلاء؟
ربما يتبادر إلى الذهن أن الفرج الذي أراده الإمام الحسين (عليه السلام) هو الشهادة والانتقال إلى الآخرة حيث الأنس بالفيوضات والألطاف الإلهية، لكن سؤالاً آخر يعترض هذا الجواب، قائلاً: وهل هو الآن منقطع عن الفيوضات الإلهية، وهو القائل:

«هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى([3]).

وقول قاتله حين قدم يتمشى وهو يثقل الأرض بخطواته، خطوات أثقلتها نية ذبح ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . فرجع متقهقراً فقد أهاله المنظر، على الرغم من كونه محجوباً عن رؤية النور لكدورة ذهنه وقساوة قلبه، لكن لم يمنعه ذلك من أن يرى نور وجه الإمام الحسين (عليه السالم) ليرجع مردداً: (شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتله)([4]).

فالإمام الحسين (عليه السلام) لم ينقطع عن الاتصال بالفيوضات الإلهية، فضلاً عن أن المعصوم من خصوصياته عدم الانقطاع، فلو غفل عن تكاليفه التي فرضها الله عليه ولو طرفة عين لساخت الأرض بأهلها؛ إذ ينقطع السبب المتصل بين الأرض والسماء، فكيف إذا كان الآن في مقام المتشحط بدمه الصابر المحتسب لما نزل به وبأهل بيته (عليهم السلام) كيف سيكون توالي الفيوضات الإلهية والألطاف الربانية عليه؛ ولذا: فأي فرج يسأل الله عنه؟!.

وأي أمر يعني؟ وأي مخرج يريد (عليه السلام)؟

هذه الكلمات الثلاث (الأمر، الفرج، المخرج) صحبت حياة الأئمة (عليهم السلام) ولم تفارق دعواتهم فهم يدعون لصاحب الأمر بتعجيل الفرج وتسهيل المخرج، وهو مهدي آل محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه.

وهذا من الحقائق الغيبية التي اكتنزتها عاشوراء وأظهرها دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) وهو على رمضاء كربلاء ليكون خاتمة أدعيته، بل ونتيجة تضحيته وشهادته.

السؤال الثالث: ما هو الدليل على أن الإمام الحسين (عليه السلام) يختم حياته بالدعاء للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟
قبل الإجابة على هذا السؤال الذي ظهر نصف إجابته في خاتمة دعائه (عليه السلام) بقوله:

«فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً برحمتك يا أرحم الراحمين.

إن تحقيق هدف النبوة في الإصلاح والعدل في أرجاء الأرض كافة من آدم وإلى المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) . سيتحقق في المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

ولذا جرت حكمة الله تعالى ومشيئته أن يجعل الدنيا محل ابتلاء واختبار ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من يحيا عن بينة.

{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}([5]).

واقتضت حكمته عزّ شأنه أن يعقل الناس العدل بوجود الظلم كما يعقل الإنسان الدفء بوجود البرودة؛ أن يدرك آثار الصيف حينما يمر عليه الشتاء ويدرك آثار الشتاء حينما يمر عليه الصيف؛ وهكذا مجريات معرفة الفضائل والرذائل، والإنسان مخير في اختيار ما يشاء قال تعالى:

{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}([6]).

إلا أن تحقيق العدل والصلاح وعموم الخير ولبس العافية هو عين رحمة الله تعالى ومنية أنبيائه (عليهم السلام)، ولأجل تحقيق هذه الغاية تحملوا ما نزل بهم من البلاء، محتسبين في ذلك رضا الله تعالى، سائلين ربهم الصبر والنصر واللطف فيما ابتُلوُا به عسى الله أن يحدث أمراً.

ولذا: كان الإمام الحسين (عليه السلام) في آخر دعائه (عليه السلام) وهو على رمضاء كربلاء وجراحاته تشخب دماً «أن يجعل الله لنا ــ وهم المكلفون بإبلاغ رسالات ربهم من آدم (عليه السلام) إلى الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الذين اختارهم الله على علم على العالمين.

«من أمرهم في تحقيق العدل والصلاح ونشر الخير والقضاء على الظلم والفساد والشـر، وهذا ما شاء الله تعالى أن يجعله في مهدي آل محمد . الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا؛ فكل أمرهم قد جمع في «صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف».

لذا: لزم أن يختم الإمام المظلوم المقتول العطشانَ المذبوح ولده وأخوته وأصحابه أمام عينيه، عمله هذا الذي قدمه على ساحة الطف في يوم عاشوراء، بالدعاء لمن جمعت فيه شرائع الأنبياء والمرسلين، وأوكل إليه تطهير الأرض، لتكون خالصة لوجه رب العالمين.

بأن يعجل لهم من أمرهم هذا فرجاً ومخرجاً بظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وما ذاك إلا برحمته فإنه أرحم الراحمين.

أما القرائن والشواهد التي تدل على أن الإمام الحسين (عليه السلام) يختم استشهاده بالدعاء للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فهي كالآتي:

أولا: لما ذبح عبد الله الرضيع (عليه السلام) توجه الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الله تعالى بهذا الدعاء قائلا:

«إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين.

فإنّ المجاهد في سبيل الله تعالى ينتظر إحدى الحسنيين إما النصر، وإما الشهادة، فإذا حبس عنه النصر فما هو الشيء الذي يكون له خيراً منه؟ في حين أن الآية الكريمة التي وصفت الحسنيين في قوله تعالى:

{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}([7]).

جعلت العذاب بأيدي المؤمنين من لوازم إحدى الحسنيين وهو النصر.

إذن: ما هو الأمر الذي عند الإمام خير من النصر في حال حبسه عن المجاهد في سبيل الله تعالى؟ جواب ذلك عند الإمام الباقر (عليه السلام) حينما سأله أبو حمزة الثمالي عن الحسنيين فقال (عليه السلام):

«إما موت في طاعة الله أو إدراك ظهور إمام([8]).

ثانيا: حينما دعا (عليه السلام) بالفرج، فإن هذا الفرج لا يحصل إلا بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كما دل عليه حديث الإمام الصادق (عليه السلام) مع أبي بصير، فإنه قال: قال الإمام الصادق (عليه السلام):

«الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل.

قال: قلت جعلت فداك فأخبرني بما أستريح إليه. قال:

«يا أبا محمد ليس يرى أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (فرجاً أبداً) ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد رجلاً منا أهل البيت، يشير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشى، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ العصرة ذو الخال والشامتين، الغائم العادل الحافظ لما استودع يملأها قسطا وعدلا كما ملأها الفجار جوراً وظلما([9]).

فهذا الحديث يدل بوضوح على أن أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). لا ترى الفرج أبداً وأنه لا يتحقق إلا بظهور القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ..

ولذا نجد أن سيد الشهداء (عليه السلام) كان يدعو في آخر لحظاته إلى الإمام المهدي (عجل الله تعلى فرجه الشريف) قائلا:

«ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على الوحي فاجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا يا أرحم الراحمين.

فبه يجعل الله تعالى، وعلى يديه، فرج العترة؛ وفرج أمة محمد .. وبه يكون المخرج من الشدة والعسرة، وتنال النعمة والوفرة في الخير والعافية، بفضل الله ومنّه وسابق رحمته، فإنه أرحم الراحمين.

(اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا).

الهوامش:
([1]) المجموع، النووي: ج5، ص96. المغني، ابن قدامة: ج2، ص296.
([2]) سورة ص، الآية: 39.
([3]) اللهوف لابن طاووس: ص70. البحار للمجلسي: ج45، ص46.
([4]) مثير الأحزان، ابن نما الحلي: ص57.
([5]) سورة فصلت، الآية: 46.
([6]) سورة الإنسان، الآية: 3.
([7]) سورة التوبة، الآية: 52.
([8]) الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص286. وسائل الشيعة: ج9، ص552.
([9]) إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: ج3، ص117. بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص269، ح158.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2734 Seconds