من الفكر الإداري عند الإمام علي عليه السلام/ الوزارة

مقالات وبحوث

من الفكر الإداري عند الإمام علي عليه السلام/ الوزارة

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 17-09-2020

بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فإن مما اكتنزه كتاب نهج البلاغة هو احتوائه على العديد من العلوم ومنها علم الإدارة، فكان من خصائصه المتعددة (الوزارة) وهي لغة من الوزر والغدر وقيل: الملجأ إليه من الجبل، والوزر الثقل، والوزير المتحمل ثقل أجره وشغله؛ والمؤازرة المعاونة وأما اصطلاحًا: فهي اسمى المناصب في الدولة بعد الرئاسة، واسمها يدل على مطلق الاعانة .
وجاء ذكرها في القران في قوله تعالى : {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي}([1])
وفي موضع آخر:
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا}([2]).
أما مسألة جذور ظهور الوزارة فيقول أحد الباحثين: وقع أن اللفظة قرآنية إلا أنها بمعناها السياسي مستحدثة في الإسلام وإن عرفت عند بني إسرائيل وقدماء المصريين قبل الفرس الفهلويين([3]).
يبدو لنا أن منصب الوزارة لم يكن يعرف في بداية العصر الإسلامي ولم يشر إليه بوصفه وظيفة قد مارسها أحدهم إلا أنه منصب مهم لمساندة الحاكم ومساعدته على تخطي الصعوبات التي تعترضه كما أشار الطرطوشي «الوزير عون على الأمور وشريك في التدبير على السياسة ومفزع عند النازلة»([4]).
ولابد لنا من الإشارة الى فقرة قد أوردها ابن أبي الحديد في فصل أورده للكتاب وما يلزمهم وقد ذكر أن ما أشار إليه الإمام عليه السلام بقوله:
«ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ...»([5]).
لم يقصد الكاتب إنما الوزير «واعلم أن الكاتب الذي يشير أمير المؤمنين عليه السلام إليه هو الذي يسمى الآن في الاصطلاح العرفي وزيرًا، لأنه صاحب تدبير حضرة الأمير، والنائب عنه في أموره، وإليه تصل مكتوبات العمال وعنه تصدر الأجوبة، وإليه العرض([6]) على الأمير، وهو المستدرك على العمال، والمهمين، عليهم، وهو على الحقيقة كاتب الكتاب ولهذا يسمونه: الكاتب المطلق([7]). وقد أشار الشرقاوي الى قريب من هذا المعنى وتطبيقه «ومازالت بعض دول المغرب العربي تسمي رئيس الوزراء بالكاتب الأول، أما في حكومة الإمام عليه السلام فهم أفراد الجهاز الإداري للدولة وكان عليه السلام يريد أن ينشئ جهازًا إداريًا جديدًا للدولة ولاسيما في مصر...»([8]).
الوزارة في كلام الإمام علي عليه السلام:
صفـات الوزيـر:
يجب أن لا تكون له سابقة سيئة مع الحكام الظالمين في كونه عونًا لهؤلاء الظلمة:
«شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الاْثَامِ، فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الاَْثَمَةِ، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ وَآثَامِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ، وَلاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ، أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً، فَاتَّخِذْ أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلاَتِكَ، ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لأوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ»([9]).
فمن اشترك في ظلم الحكام السابقين يجب عليك أن لا تجعلهم بطانتك والمقربين إليك؛ لأنهم كانوا يعينون على الظلم من جهة ثم يقول له أنت بمقدورك أن تجد من هو أفضل منهم ولم تكن لديهم الأوزار والآثام فهؤلاء أفضل من يعينك من جهة أخرى.
على الحكام أن يتخذوا من هؤلاء المحسنين وزراء لهم في خلواتهم وأن يختاروا من كان كلامه في الحق وإن كان قاسيًا ومهما كان تأثيره على الحاكم.
يقول ابن أبي الحديد «نهى عليه السلام بأن لا يتخذ بطانة قد كانوا من قبل بطانة للظلمة وذلك لأن الظلم قد صار ملكة ثابتة في أنفسهم، فبعيد أن يمكنهم الخلو منها إذ قد صارت كالخلق الغريزي اللازم لتكرارها وصيرورتها عادة، فقد جاءت النصوص في الكتاب والسنة بتحريم معاونة الظلمة ومساعدتهم وتحريم الاستعانة بهم فإن من استعان بهم كان معينًا لهم»([10]).
{وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}([11]).
فيما شبه ابن ابي الحديد الملك والوزير كالماء والتمساح وذلك بقولهم: مثل الملك الصالح إذا كان وزيره فاسدًا مثل الماء العذب الصافي وفيه التمساح، لا يستطيع الإنسان – وإن سابحًا والى الماء ظامئًا – دخوله حذرًا على نفسه([12])([13].

الهوامش:
[1] سورة طه: 29.
[2] سورة الفرقان (آية – 35).
[3] حسن إبراهيم، النظم الإسلامية، ص97؛ السامرائي، حسن القوام: المؤسسات الادارية في الدلوة العباسية، مكتبة دار الفتح، (دمشق-1971)، ص115؛ الناطور، شحاده وآخرون: النظم الاسلامية، دار الكندي، (الاردن-1988)، ص77-80.
[4] الطرطوشي أبو بكر سراج الملوك، ص211.
[5] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 17/58.
[6] المصدر نفسه، 17/58.
[7] المصدر نفسه، 17/58.
[8] عليg إمام المتقين، 1/214.
[9] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 17/33.
[10] ابن أبي الحديد، 17/33.
[11] سورة الكهف، (آية – 51).
[12] شرح نهج البلاغة، 17/59.
[13] لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون: ص204.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.9598 Seconds