بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((إذا حُييّت بتحية فحَيّ بأحسن منها، وإذا أُسديت إليك يدٌ فكافئها بما يُربِي عليها، والفضل مع ذلك للمبادئ))
الدعوة إلى حفظ المعروف وعرفان الجميل، وعدم التنكر لمن بدأ بالفضل مهما اختلفت المستويات لكلا الطرفين ارتقت أم تدنّت. إذ لابدّ من المكافأة والمجازاة وإلا لانحرف المسلم عن الخط الصحيح ولم يطّبق التعاليم الإسلامية التي حرص المرشدون على ترسيخها وتركيزها في الأذهان تحسبًا للمستقبل وما يحمله من مشكلات التمرد وتناسي الأصول الصحيحة للحياة الكريمة فإن الأعداء يتربصون الفرصة وينتظرونها لينشروا أفكارهم المشبوهة التي تساعد على الانحلال والتحلل وأن هذه الالتزامات إنما هي مجرد قيود للفرد لا تتماشى والتقدم العصري.
كل ذلك يخالف الفطرة الصحيحة التي فطر الله الناس عليها ويساعد على تقوّض الأسس المتينة لبنيان المجتمع المسلم فيتفكك بناء الأسرة والعائلة إذ لا ارتباط يربطهم ولا أواصر تشّدهم ولا أخلاق تحدّهم فيفعلون ما يشاءون ولكن سرعان ما يواجهون الواقع فيصطدمون أشد اصطدام، وتخيب الآمال لأن النزعة الصحيحة لا زالت تعيش في داخله وإن كبتَها بمظاهر خدّاعة تنأى عنها وتبتعد فعندئذ يطلب العون ولا معين، وينشد المساعدة ولا مساعد لأنه تخلى.. فقُبل بالمثل. أما من يلتزم درب هذه الحكمة فيضمن -إلى حد كبير_ عدم التخلي عنه من الآخرين في مواقف الحاجة ومواطن النجدة لأن الناس ينقطعون _غالبًا_ عمن لا يتواصل معهم كما دلّت التجربة عليه وهي أكبر شاهد.
فالإمام عليه السلام يؤكد المجازاة بالأحسن ولو على صعيد تبادل التحية وهي السلام ويمكن التوسع في تحديد مفهوم السلام[4] وإنها: كل ما يقوم مقامه مما تختلف فيه الأعراف والمجتمعات ولو بالإشارة أو الانحناءة أو بعض الكلمات المقتضبة... فإذا بادر شخص إلى احدها ينبغي الرد عليه بالأحسن.
ويضيف عليه السلام أيضًا أنّ من أحسن بشيء _مهما كان_ ينبغي جزاؤه بما يريد ويرتفع مستواه عن ذلك وفي ذلك دعم وتشجيع على المعايشة السلمية التي ينشدها الجميع لأنهم يعيشون في ظلها مطمئنين مكرمين. ومع افتقادها يبدأ القلق والخوف من المستقبل الذي يُفقِد الحياة طعمها.
وأخيرًا يؤكد عليه السلام أن الفضل وطيّب الذكر لمن ابتدأ وبادر صاحبهُ؛ لأن هذه المبادرة تؤشر على وجود بذرة صالحة طيبة تنزع نحو الخير والصفاء والمودة للآخرين([5]).
الهوامش:
[1] أسدى إليه: أحسن.
[2] اليد تستعمل مجازًا بمعنى النعمة.
[3] أي يزيد.
[4] قال الراغب الاصفهاني في المفردات ص140 ( وأصل التحية من الحياة ثم جعل ذلك دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة أو سبب الحياة إما في الدنيا وإما في الآخرة).
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي (عليه السلام)، لمحمد صادق السيد محمد رضا الخرسان: ج1/ 263.