بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله)).
أما بعد:
قال أمير المؤمنين عليه السلام ((الإعجاب يمنع الازدياد)).
الإعجاب مشتق من العُجْب وهو لغة: (أن يتكبر الإنسان في نفسه)[1]، فيرضى بالمنجز، ولا يطمح لغيره، بل يمنع نفسه عن طلب الزيادة، مكتفياً بما حققه، فلا يسعى إلى تطوير مستواه الإنتاجي أو الاجتماعي، وتحقيق مزيدٍ من الطموحات؛ لتصورَّه أنه حقق الغاية، مما يعني تقدمه وبلوغه مرتبة لا يحتاج معها إلى المواصلة والعطاء.
وهنا يكمن الخطر؛ لأنّ روح التقاعس متى سرت في جسد الإنسان، سوف تُثْنيه عن تقديم الأفضل، أو البحث عن الأفضل؛ لظنه أن ما أنجزه هو الأفضل، فلا داعي لاستكشاف غيره.
ولما كانت مسئولية تنظيم دور الإنسان في الحياة، من المسئوليات المنوطة بالقادة المصلحين الموجهين، نجد أن الإمام (عليه السلام) يشير إلى أهمية دور الطموح، والتطوير، والتنمية، والمواصلة، وبذل الوسع في إيجاد المزيد، وعدم الاقتصار على المنجزات السابقة، بل الاهتمام بتقديم الأفضل، وتعزيز روح الطموح، وعدم التوقف – طويلاً – عند حالات الفشل، أو الإحباط، أو التعثر، بل ليكن ذلك نقطة انطلاق، وبذل أقصى ما يمكن مرة أخرى.
وقد اشتملت الحكمة على تحفيز الإمام (عليه السلام) وحثه على مواصلة السعي الجاد في تطوير النفس، وعدم الاكتفاء بما تحقق.
ولعل مما يشير إلى هذا التسابق:
1 ـ قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[2]؛ حيث يحفز العباد على الارتقاء، وأنْ يسمو الإنسان بنفسه وسلوكه، واختياراته وانفعالاته، ضمن إطار التقوى، وان تفاوتت درجات الأفراد في ذلك، فكلما ازداد ضبط النفس، قويت احتمالات نيل المراد.
2 ـ ما روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)[3]، بما يحث على ضرورة اهتمام الإنسان المسؤول عن إدارة البيت، بتحسين معاملة العيال -سواء الزوجة أو الأولاد ذكوراً وإناثاً أو غيرهم ممن يعاشر-، وأن تكون معاملة طيبة حسنة، ليبادله الآخر، وتشيع الألفة والمحبة، بما يضمن – غالباً – الاستقرار النفسي، والعائلي، فينشط من أجل تحقيق الأحسن، وتقديم الأفضل.
وإنَّ العُجب، مختلفٌ عن العجب؛ فإنَّ العَجَب استعظام لشيء آخر؛ لأنه (إنكارُ ما يردُ عليك لقلَّة اعتْيِادِه)[4]، فهو عارضٌ طبيعي، بينما العجب: (الزهو)[5]، فهو استعظام للنفس؛ وبذلك صار مذموماً؛ لأنه استكبار على الآخر، واستهوان له ولشأنه، ورضا عن الذات واكتفاء بمنجزاتها – لو كانت – وهذا ما يحجّم المعجب بنفسه ولا ينميه فضلاً عن أنه يفقده حتى بعض أصدقائه، أو يمنعه عن الإبداع، بل يدل على ارادته تعويض حالة حرمان معينة، افتقد من خلالها شيئاً، فلما لم يصل إليه، لجأ إلى العُجب؛ كردة فعل اتجاه شعوره بنقص؛ لعدم بلوغ الغاية، والفشل في الوصول للهدف، فهو تعويض سلبي[6].
فلذا تجب مكافحته؛ بأن يتعوذ الإنسان بالله تعالى من شر الشيطان ووساوسه، ومن تسويلات النفس الأمّارة بالسوء، وأنْ يواظب على ذكر الله تعالى، ويُذكّر نفسه بأعمال غيره ومنجزاته؛ ليدرك نفسه أنه لو لم يقلع عن ذلك وقف هو، وسار غيره، وأن يتواضع لغيره؛ لتتعادل لديه كفةُ الإعجاب بالنفس، مع كفة استصغار المنجزات، ويتحقق من أنها بجنب عظمة الله تعالى وما خلقه، شيء ضئيل.
فالدعوة إذن إلى الجد والاجتهاد، ومواصلة العمل؛ لأنّ حالة الرضا عماّ أُنجز، مع التكاسل عن أداء غيره، تؤثر في خفض معدل النتاج ونوعيته، وهو ما يضر بمرافق الحياة كافة، ويحدد مديات الإبداع في المجتمع، ولا يساعد على تنمية روح الحياة والتفاعل، بل يكرسها ضمن حالة الماضي، ولا ينشطها للتفاعل المستقبلي[7]
الهوامش:
[1] مقاييس اللغة، ابن فارس 4/243.
[2] سورة الحجرات، الآية 13.
[3] وسائل الشيعة ج14/ ص 122. أقوال: يمكن قراءة الحديث بصيغتين، الأولى المتقدمة. والأخرى: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. فلاحظ.
[4] لسان العب، ابن منظور 1/580.
[5] المصدر نفسه 582.
[6] ينظر: أساسيات في علم النفس التربوي، محي الدين توق، وعبد الرحمن عدس 146، دار جون وايلي، عمان 1984.
[7] لمزيد من الاطلاع ينظر: اخلاق الامام علي (عليه السلام): محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص85 – 88.