بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي
(الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها) وصلواته التامات الزاكيات على حبيبه وعبده ورسوله أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته «أساس الدين وعماد اليقين»([1]).
وبعد:
قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند دفنه فاطمة (عليها السلام): «النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ»([2]).
يكتنز هذا اللفظ جملة من المعارف كغيره من ألفاظ هذا النص الشريف وهو أمر قد تسالم عند أهل العلم والمعرفة بحديث ثقل القرآن وأهله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فقول منتج النص (عليه السلام): «النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ».
ينقسم إلى قسمين من المعارف المتعلقة بشأن فاطمة (عليها السلام) وشأن أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فما يتعلق بفاطمة (عليها السلام) فهو ينضوي تحت معنى قوله «النازلة» ودلالته، فهل هو (النزول المرتبي)؟؛ أو أراد بذلك النزول الذي يفيد معنى (العلو والسفل)، أي من الأعلى إلى الأسفل ويراد به: (الإنزال)؛ أو أراد بالنزول المعنى الذي يفيد (الحلول)؛ أو أنه يفيد معنى (الانتقال) من عالم إلى عالم آخر فهذه المعاني هي الأظهر من غيرها ولا شك أن البحث في معاني اللفظ واستنطاقه يرشد إلى معان ودلالات أخرى؛ ومن ثم ينبغي دراسة هذه الدلالات كي نصل الى مقاربة قصدية منتج النص (عليه السلام).
المسألة الأولى: دلالات (النزول) ومعانيه.
يرتكز البحث في المفردة على مجموعة من المعاني التي سنتناولها ضمن ما يلي:
أولا: «النازلة» بمعنى النزول المرتبي.
وهذا المعنى يراد به تعيين منزلة الشخص وصفته، كما هو الحال في السلم الوظيفي في الدائرة الحكومية، أو الوزارة، أو المراكز والمؤسسات وغيرها.
فالنزول المرتبي: أن يتم إنزال رتبة المرء من كونه مديراً عاماً إلى معاون أو أقل رتبة ودرجة، وكذا حال المشتغلين في السلك العسكري، فإما يتم تنزيل المرتبة من صفة إلى أخرى كالعقيد إلى المقدم، أو يكون الترفيع والترقية من مقدم إلى عقيد وهكذا يقال في هذه الحالات (استنزال فلان، أي حط عن مرتبته)[3].
وهنا في قوله (صلوات الله عليه): «النازلة في جوارك» لا ينطبق على هذا المعنى أي (النزول المرتبي)، وذلك أن مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعلوه مقام ناله مخلوق قط، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل؛ ومن ثم لا يتحقق معنى النزول المرتبي.
ففاطمة (عليها السلام) لم تكن في معرض استنزال المرتبة فتحط من شانها ومنزلتها، بل على العكس فقد أراد الإمام علي (عليه السلام) بيان علو هذه المرتبة، ولكن يبقى السؤال قائماً ما المراد من (النزول) في قوله (عليه السلام) «النازلة»([4]).
الهوامش:
([1]) المصدر السابق: ص432.
[2] الكافي للكليني: ج1 ص459.
[3] الصحاح للجوهري: ج5 ص1828.
[4] لمزيد من الاطلاع، ينظر: فاطمة في نهج البلاغة تأليف السيد نبل الحسني: ج1، ص189-190، ط دار الكفيل، العتبة العباسية المقدسة.