من الأمثال العربية في نهج البلاغة: 1- قوله (عليه السلام) ((شِقْشِقَة هَدَرَتْ ثُمّ قَرَّتْ))

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة: 1- قوله (عليه السلام) ((شِقْشِقَة هَدَرَتْ ثُمّ قَرَّتْ))

9K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-02-2021

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم/ الجامعة العربية

((الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد: استعمل الإمام علي عليه السلام المثل العربي في مواطن كثيرة وقفت عليه افي كتاب نهج البلاغة وهي على النحو الآتي:
1- ((شِقْشِقَة هَدَرَتْ ثُمّ قَرَّتْ))
كرر هذا المثل في الخطبة الشقشقية.
قال ابن منظور[1]: وفي حديث علي رضوان الله تعالى عليه في خطبة له (تلك شقشقة هدرت ثُم قَررتْ...).
وذكر الفيروز آبادي[2] قال: والخطبة الشقشقية العلوية لقوله لابن عباس لما قال له: لو أطردت مقالتك من حيث أفضيت (يا ابن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثُم قَررتْ).
وذكرها ابن الأثير[3] هو الآخر بقوله: وفيه حديث علي في خطبة له:
(شِقشِقة هدرت ثُم قَرتْ).
والشقشقة: شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، وإذا قالوا للخطيب: (ذو شقشقة) فإنما يشبه بالفحل ولأمير المؤمنين علي (عليه السلام) خطبة تعرف بالشقشقية[4].
أما سبب تمثل الإمام بهذا المثل السائر في خطبته هذه هو رده على ابن عباس عندما سأله اطراده في خطبته بعد أن قطعها عليه رجل من أهل السواد (العراق) بأن ناوله كتاباً لينظر فيه فقطع خطبته لذلك، وقد يكون هذا الرجل إما متعمداً ماكراً أراد أن يقطع كلام الإمام (عليه السلام) في حيلة لم يستطع أن يدبر غيرها أو رجل بليد مغفل لم يعط الإمام إكمال مقاصده، لذا قطع الإمام خطبته ولم يعد إليها، فكان جوابه لابن عباس (تلك شقشقة هدرت ثُم قَرتْ).
فهو وظف المثل توظيفاً كاملاً باستعماله للمثل في موضعه من الخطبة ثم أضاف إليه كلمة (تلك) مذكراً ابن عباس والسامعين بأن ما أراد قوله وقطع منه هو كما هو معلوم في تلك الشقشقة التي هدرت،  فهو شبه بالفحل لقولهم للخطيب (ذو شقشقة) وهذا لا يطلق إلا عليه،  فهو عندما استرسل في خطبته خطيب (ذو شقشقة) فحل وعندما قطع عنها أجاب تلك شقشقة هدرت ثُم قَرتْ،  أي هدأت فلا عودة إلى ما قلت، لذلك تأسف ابن عباس كثيراً لعدم إكمال الإمام علي (عليه السلام) مقاصده التي بيّن بعضاً منها المتمثلة بالأحداث الخطيرة بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)،  ومن هذا المثل يفصح الإمام (عليه السلام) عن الأحداث الكامنة في نفسه ولا يستطيع البوح بها وقد استرسل في بيانها وأوضح الحق أي ما مكتوم في صدره وخوالج نفسه فاستعرض بعضاً من أحداث عصره ولكنه صبر وفي العين قذى وفي الحلق شجى وهذا قوله (عليه السلام) مرسلٌ إرسال المثل أيضاً وهو كناية عن شدة ما أضمره في صدره من التأذي والغبن بسبب سلب ما يرى أنه أولى به من غيره، وما يعتقده من الخبط في الدين بيد غيره،  وقد سبق الشريف الرضي الكثير من الكتاب الذين ذكروا هذه الخطبة[5] ولنا وقفة مع هذه الحادثة عند البحث في استخدام المثل الشعري مرة أخرى[6].

الهوامش:
[1]- لسان العرب، 10/185 مادة شقشق.
[2]- القاموس المحيط، 3/251.
[3]- ابن الاثير: مجد الدين أبو السعادات (ت606هـ)، النهاية في غريب الحديث، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، منشورات دار التفسير، 1384هـ 3/251.
[4]- الميداني: مجمع الأمثال 2/170؛ الشريف المرتضى (ت 436هـ) رسائل الشريف المرتضى، دار القرآن الكريم 2/113، رسالة رقم (117).
[5]- انظر القاضي عبد الجبار (ت 451هـ)، المغني، مع تأويله لبعض جملها، عبد الزهرة الحسيني، مصادر نهج البلاغة وأسانيده 1/308 - 316.
[6]لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 86 –88.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2873 Seconds