سلام مكي خضير
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين والغرّ الميامين المُنْتَجَبِين...
أمَّا بعد...
فإن من الصفات الأخلاقية الجميلة والسَّجايا الحميدة، هو: (البر)، والبر قد يأتي بمعنى الاحسان وإن كان قد يراد به أيضا الصدق على سبيل الاشتراك اللفظي، والشح البخل مع زيادة حرص، وحده انه منع ما ينبغي بذله عن المستحق مع شدة طلب الجمع، وإذا كان كذلك فاعلم أن المراد من: (لا بر) أن الإحسان مع الشح نقيضان لا يجتمعان، أي: إن الإحسان بذل بعض ما لا يجب بذله، وبذل بعض ما لا يجب مع منع ما يجب بذله متنافيا الاجتماع في محل عاقل، لأن من منع بذل الواجب عن مستحقه كيف يتصور منه بذل ما ليس بواجب فقد تحققت صحة هذا السلب الكلي[1].
أما اشح والبخل فيكون نقيض الإحسان وعكسه تمامًا، أي أن نرى بعضا من الناس يحملون هذه الصفة التي نبذها الدين الإسلامي، فقال أمير المؤمنين (عليه السَّلَام): (الْبُخْلُ عَارٌ)[2].
ويقول (عليه السَّلَام) في موضع آخر: (عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْه هَرَبَ، ويَفُوتُه الْغِنَى الَّذِي إِيَّاه طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، ويُحَاسَبُ فِي الآخِرَةِ حِسَابَ الأَغْنِيَاءِ)[3].
وسبب التعجّب أنّه اختار البخل خوفاً من الفقر وضنك العيش يوماً ما مع أنّه يدخل في الفقر وضنك العيش لأنّه لا ينفق على نفسه ولا على عياله ولا على غيره، وبالجملة البخل عار في نفسه جامع لمساوي العيوب وهو زمام يقاد به إلى كلِّ سوء[4]. فبهذا فعله لا يضر الله تعالى وإنما يضر نفسه، فقال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ)[5]. ومما تقدم من كلام، قد يتبين للقارئ قبح صفة الشح والبخل، ويتبين له أيضا أن هناك تنبيهًا على وجوب ترك الشح، والتحلي بصفة البرّ. فيجب على المؤمنين أن يكونوا من أصحاب البر مع إخوانهم، وأن يكون لديهم إيمان قوي ولا يبخلون بما يأتيهم الله تعالى من الرزق والخير والبركات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلَّى الله تعالى على نبيه وحبيه وصفيّه مُحَمَّدٍ وآلهِ الطَّيِّبين الطَّاهِرِين والغرّ الميامين المًنتَجَبِين، إنَّه سميعٌ عليمٌ..
الهوامش:
[1] ينظر: شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، ابن ميثم البحراني: 99-100.
[2] نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): 469، تحقيق: صبحي الصالح.
[3] نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): 491، تحقيق: صبحي الصالح.
[4] ينظر: شرح أصول الكافي، المازندراني: 284.
[5] محمد: 38.