الحلقة الثانية: إن القصدية في ابتغاء وجه الله هي عترة النبي (صلى الله عليه وآله)
بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
اشتملت وصية أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في أمواله على جملة من العنوانات الشرعية والعقدية، فضلاً عن اكتنازها للعديد من المصاديق والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية وغيرها، وهو ما ستعرض له عبر جملة من المقالات، وهي على النحو الآتي:
ثالثاً: إن القصدية في ابتغاء (وجه الله) هي عترة آل محمد (صلى الله عليه وآله)
يكشف النص الشريف عن قصدية أخرى في إيراده للفظ (ابتغاء وجه الله) وهذه القصدية تتجلى من خلال الروايات والنصوص الشريفة الواردة عن العترة النبوية عليهم السلام.
والتي تحدد للمتلقي دلالة لفظ (وجه الله) وماذا قصد به، وهو كالاتي:
1- أخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن الحارث بن المغيرة النصري، قال:
سُئِلَ أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قول الله تعالى:
﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾[1].
فقال:
«ما يقولون فيه»؟
قلت:
يقولون: يهلك كل شيء إلا وجه الله.
قال:
«سبحان الله لقد قالوا قولا عظيماً، وانما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى منه»[2].
2- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل:
﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ قال: من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد (صلى الله عليه وآله) فهو الوجه الذي لا يهلك وكذلك قال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾[3].
3- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن أبي سلام النحاس، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نحن المثاني[4] الذي أعطاه الله نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله) ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، ونحن عين الله في خلقه، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده، عرفنا من عرفنا، وجهلنا من جهلنا، وإمامة المتقين[5].
4- الحسين بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى جميعا، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿وَلله الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ قال: نحن والله الأسماء الحسنى[6] التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا.
5- محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن الهيثم بن عبد الله، عن مروان بن صباح قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله خلقنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق[7] في خلقه ويده المبسوطة على عباده، بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه[8]، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله ولولا نحن ما عبد الله.
6- محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾[9] فقال: إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى خلقه، لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال: «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها» وقال «من يطع الرسول فقد أطاع الله»[10] وقال: «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم»[11].
فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك، ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر، وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول: إن الخالق يبيد يوما ما، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم إن شاء الله تعالى.
7- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن محمد بن حمران عن أسود بن سعيد قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فأنشأ يقول ابتداء منه من غير أن أسأله: نحن حجة الله، ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده.
8- وأخرج الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أبي صالح الهروي، قال:
(قلت لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام):
يا ابن رسول الله، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث:
«إنَّ المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة»؟
فقال (عليه السلام):
«يا أبا الصلت، إن الله تبارك وتعالى فضَّل محمد (صلى الله عليه وآله) على جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته، ومتابعته متابعته، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته، فقد قال عز وجل ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾.
وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله):
«من زارني في حياتي أو بعد مماتي فقد زار الله جل جلاله».
ودرجة النبي يوم القيامة أرفع الدرجات، فمن زاره الى درجته في الجنة من منزلته، فقد زار الله تبارك وتعالى.
قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فما معنى الخبر الذي رووه:
«إنّ ثواب لا إله إلّا الله النظر الى وجه الله»؟
فقال (عليه السلام):
يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله أنبيائه ورسله وحججه (صلوات الله عليهم) هم الذين يتوجه بهم لله، والى دينه، ومعرفته، وقال الله عزَّ وجل:
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾.
وقال عزَّ وجل:
﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾.
فالنظر الى أنبياء الله ورسله وحججه (عليهم السلام) في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة.
وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله):
«من أبغض أهل بيتي وعترتي، لم يرني ولم أره يوم القيامة».
وقال (عليه السلام):
إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يدرك بالأبصار والأوهام)[12].
وعليه:
فهذه الأحاديث تكشف عن القصدية في (وجه الله) تبارك وتعالى وهي أنبياء الله ورسله وحججه وهم العترة (سلام الله عليهم اجمعين).
ولذا: نجده (عليه السلام) قد خصص هذه التولية في أقواله في أبنيّ فاطمة (عليهما السلام) لكونهما من حجج الله على خلقه، فلزم البيان بأنهم المقصودون بقوله «وأني أنما جعلت الذي جعلت لأبني فاطمة ابتغاء وجه الله عز وجل»، أنهما وجه الله تعالى.
لكن ثمة سؤال: أليس هو من حجج الله، أيضاً فما معنى تكرار (وجه الله) في الوصية؟
وجوابه فيما يلي من المسألة الآتية ([13]).
الهوامش:
[1] سورة القصص، الآية (88).
[2] الكافي: ج1 ص143.
[3] سورة النساء، الآية (80).
[4] اشارة إلى قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) والمثاني جمع مثناة من التثنية أو جمع من الثناء قال الصدوق رحمه الله معنى قوله: نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا، وأخبر أمته انا لا نفرق حتى نرد عليه حوضه انتهى. وإنما كانوا عليه السلام عين الله لان الله سبحانه بهم ينظر إلى عباده نظر الرحمة ويده لأنه بهم يربيهم. (في).
[5] وامامة بالنصب عطفا على ضمير المتكلم في جهلنا ثانيا أي جهلنا وجهل امامة المتقين وفى التوحيد (أمامه اليقين) أي الموت على التهديد أو المراد انه يتيقن بعد الموت ورفع الشبهات. (آت).
[6] كما أن الاسم يدل على المسمى ويكون علامة له كذلك هم عليهم السلام أدلاء على الله يدلون الناس عليه سبحانه وهم علامة لمحاسن صفاته وافعاله وآثاره. (في).
[7] لما كان اللسان يعبر عما في الضمير يبين ما أراد الانسان اظهاره اطلق عليهم عليه السلام لسان الله لأنهم المعبرون عن الله مبينين حلاله وحرامه ومعارفه وسائر ما يريد بيانه للخلق وبابه الذي يدل عليه وإنما سموا أبواب الله لأنه لابد لمن يريد معرفته سبحانه وطاعته من أن يأتيهم ليدلوه عليه و على رضاه (آت).
[8] وخزانه في سمائه وارضه حيث إنه عندهم مفاتيح الخبر من العلوم والأسماء الحسنى التي بها ينفتح أبواب الجود على العالمين. (رف) وبهم أثمرت الأشجار وأينعت الثمار لكونهم المقصودين من الوجود والايجاد. (في). و (بعبادتنا عبد الله) أي بمعرفتنا وعبادتنا إياه تعالى التي نعرفه ونعبده ونهدى عباده إليها ونعلمها إياهم عبد الله.
[9] سورة الزخرف، الآية (55).
[10] سورة النساء، الآية (79).
[11] سورة الفتح، الآية (10).
[12] الامالي للصدوق: ص545-546.
([13]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ص 255-260.