بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد:
قال أمير المؤمنين عليه السلام ((أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفَعُهُ ما ظهر في الجوارح[1] والأركان[2])).
يقسّم الإمام عليه السلام العلم إلى قسمين:
قسم يتصف بالضعة والتسافل وعدم التأثير وهو ما كان حصة اللسان من دون أن يستوعبه القلب ويحتويه الفكر استيعابًا واحتواءً مناسبًا لجلالة قدر العلم.
وقسم يتسم بالرفعة وعلو الشأن والتأثير على الإنسان من جميع جوانبه الجسدية والفكرية، فلا يتصرف إلا وهو محتفظ بما علِمَه، فكأن العلم دليله في طريق الحياة فلا يصدر تصرف مشين يتنافى والعلم من أي جارحة من جوارح بدنه ولا من أي طرف كان؛ لأن الإنسان عندئذ على مستويين:
إما أن تتعمق المعلومة في داخله ويعيشها فكرة ومعنى فيطبقها في حياته وتكون جوارحه وأطرافه الجسمانية مستجيبة له في ذلك، فلا يتخلف قولهُ عن فعلهِ ولا فعلُهُ عن قولِهِ بل يتسابقان دائمًا لكونه قد اقتنع بالفكرة فجذّرها في نفسه، وساعدته على ذلك جميع متعلقاته الفكرية والبدنية.
وإما أن يكون على العكس فلا تأخذ المعلومة طريقها إلى داخله بل تظل حكراً على لسانه يرددها عند اللزوم ويستخدمها عند الحاجة فلا تعطيه ما يرومه منها من استخدامات في مجالات النفاق الاجتماعي والتمويه والخداع، بل تتعطل عند حدود المظاهر فينكشف أمره ويتعرف الجميع من ضحايا التمويه والخداع بأنه مفتر في ادعائه وما يردده فلا تنجح خطته.
ولذلك كله دعانا عليه السلام إلى التحلي بصفة الواقعية والصدق فلا نحمل العلم للدعاية والإعلام ليقال أننا على علم وإنما نحمله للاستفادة الشخصية والتحلي به لتنعكس بالتالي على تصرفاتنا وتمتزج الفكرة بحيث تنطلق من حيث الدقة لتكون مؤثرة، لها رونقها وجاذبيتها.
وقد بيّن عليه السلام هذه النصيحة عن طريق الموازنة بين الأشياء ومن المعلوم أن الجميع يرغب في الأحسن ويبتعد عن الأسوء -على الغالب- وعسى أن نتأثر بقوله عليه السلام فنقتلع جذور الرياء، النفاق، المباهاة الممقوتة، المجاملة الكاذبة... من المجتمع لنكون صادقين وبالتالي مصدّقين.
ولا بدّ من الانتباه إلى أن المقصود بالعلم ما كان منجياً ومستعملاً في طاعة الرحمن تعالى، وأما ما كان مستعملاً بخلاف ذلك فهو من العلم الممقوت[3].
الهوامش:
[1] الجوارح جمع الجارحة: العضو من الإنسان. المنجد ص86 مادة (جرح).
[2] الأركان: الأطراف، ويغلب استعمالها في اليدين والرجلين والرأس بينما الجوارح تشمل حتى القلب. أقرب الوارد ج1/ ص429. المنجد ص464، مادة (طرف).
[3] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص118-120.