خامساً: المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (عليهم السلام) تكريمًا لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الحلقة الأولى: الانتقال من رتبة الأجر إلى رتبة التكريم
بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي
(الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها)، والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
اشتملت وصية أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في أمواله على جملة من العنوانات الشرعية والعقدية، فضلاً عن اكتنازها للعديد من المصاديق والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية وغيرها، وهو ما ستعرض له عبر جملة من المقالات، وهي على النحو الآتي:
خامساً: المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (عليهم السلام) تكريمًا لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الحلقة الأولى: الانتقال من رتبة الأجر إلى رتبة التكريم
في هذا المورد من الخطاب يتجه أمير المؤمنين ، أي: منتج النص (صلوات الله وسلامه عليه) الى مقاصدية جديدة ودلالة اخرى أرادها من خلال «التكريم» لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: "وتَكْرِيماً لِحُرْمَتِه"
بمعنى: إنّ قيامه لتولية أبني فاطمة (عليهم السلام) بعد ابتغائه لوجه الله عز وجل، هو تكريمه لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أي: الذهاب بالمسلم الى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
بمعنى آخر:
إنّ المسلم يقوم ببعض الأعمال ناظراً فيها القرب من الله تعالى أو الامتثال لطاعته أو حصول الأجر، كمقدمة لما عند الله تعالى، وهو بهذه الطريقة لا ينظر عبر قلبه أو عقله الى متعلقات أخرى، كمن برَّ والديه فنال منهما الدعاء والمحبة، أو كمن أحسن الى جاره فنال منه ثماراً نفسية واجتماعية ومعنوية، وتواصلاً في صروف الدهر.
فهذه النتائج أو الثمار المأخوذة من هذه الأعمال لا ينظر بها الى الله تعالى منفردة، وهي ليست كمن تنفّل في الصلاة أو الصيام أو العمرة أو الحج أو الإنفاق في المال، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
« هَذَا مَا أَمَرَ بِه عَبْدُ اللَّه عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - فِي مَالِه ابْتِغَاءَ وَجْه اللَّه - لِيُولِجَه بِه الْجَنَّةَ ويُعْطِيَه بِه الأَمَنَةَ....»، فكان الأمر منظوراً فيه الى الله عز وجل وحده لا شيء أخر معه. ولكن هناك ضرب آخر من الأفعال ينظر فيه الجهة كــ:
الوالدين، والزوجة، والعيال، والأرحام، والجار، وغيرها من الجهات التي يتعامل معها الانسان في مسيرة حياته، وهنا:
ينتقل منتج النص (عليه السلام) من الرتبة الأولى في العمل والتعامل مع ابني فاطمة (عليهم السلام) من «ابتغاء وجه الله» الى «حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)».
ومن ثم:
فهناك جملة مسائل وثمار مرتبطة برسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد أن يصل إليها متلقي النص بغض النظر عن المسائل والثمار المرتبطة بالله تعالى في المرحلة الاولى.
وعليه:
فمن لم يأت الى الحسن والحسين(عليهما السلام) عِبْرَ استحضار القصد في ابتغاء وجه الله عز وجل، فأنه سيأتي إليهما عِبْرَ استحضار حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أي- كما أسلفنا- كمن يحسن الى والديه وهو غير مستحضرٍ لابتغاء وجه الله تعالى وإنما لأنهما والداه، أو كرعاية الأم لولدها فهي غير مستحضرة في قلبها الأجر العظيم الذي أعده الله تعالى لها، ولا ابتغاء وجه الله تعالى.
وإنما الحاضر في قلبها معنى كونه ولدها، فهي تتصرف معه بدون إستحضار القصديات في الأجر والثواب فتفني عمرها في اكرامه وقضاء حوائجه ورعايته.
وهنا:
ينقلنا مولى الموحدين وأمير المؤمنين (عليه السلام)، ألى هذا الاستحضار الرتبي للقلب في التعامل مع أبني فاطمة (عليهم السلام) وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فإن هذا التعامل يقود الى تكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتشريف وصلته، كما سيرد في المبحث القادم.
ومن ثم لابد من الوقوف ببعض المسائل للوصول الى مقاصدية هذا التكريم لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال ابني فاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)[1] ، وهو ما سنقف عنده في الحلقات القادمة من البحث في قصدية النص الشريف.
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ج5/ ص 7-9.