بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
اشتملت وصية أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في أمواله على جملة من العنوانات الشرعية والعقدية، فضلاً عن اكتنازها للعديد من المصاديق والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية وغيرها، وهو ما ستعرض له عبر جملة من المقالات، وهي على النحو الآتي:
مقبولية النص عند أبناء الإمام علي عليه السلام مع توليته للحسن والحسين عليهما السلام على موقوفاته وأسباب تفاعلهم من النص:
أسباب تفاعل المتلقي الأول:
لا شك أن المتلقي الأول للنص هم الشريحة التي تلقت الأفعال المباشرة في قصدية منتج النص عليه السلام وهم موضوع تلقي الوصية والمعنيون بها، وهم ورثة هذا المال والمخصوصون به، لا سيما وأن منتج النص قد وجه الوصية وحدد مسارها في أول كلماته التي ابتدأ بها الوصية قائلًا:
((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به، وقضى به في ماله، عبد الله علي، ابتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة، ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني يوم تبيّض وجوه وتسودّ وجوه...)).
وهو ما يرشد إلى أن هذه الشريحة المخصوصة والمعنية بالوصية بالدرجة الأساس والمستوى الأول قد تلقّت هذه الوصية بمقبولية تامة وتفاعل بلغ الذروة في القبول وذلك أن التاريخ الإسلامي الذي رصد حياة أبناء علي عليهم السلام لم يسجل أي خلافٍ لهذه النتيجة من المقبولية للنص، وهذا يتوقف على أمور:
أولًا: إن هذا المال الذي أوصى به منتج النص هو ماله الذي أحرزه من كدّ يده وجهده فهو لم يأته من الغنائم أو الفتوحات الإسلامية.
بل كان عليه السلام مكافحاً يعمل بيده قد أحيى كثيرًا من الأراضي الموات بيده بعد أن حفر فيها آبارًا أو استسقاءً بالدلو حتى زهرت وعمرت وأثمرت.
ثانيًا: على الرغم من كونه الحاكم الشرعي وبيده مفاتيح بيت المال يفعل فيه ما يشاء، إلا أنه جنّب نفسه وعياله مال المسلمين ولم ينفق على هذه الحقول والبساتين منه شيئاً، ولم يأمر أحداً من رعيته وهو الخليفة من جهة والإمام من جهة ثانية فله حق الطاعة عليهم بالبيعة للخلافة أو انعقاد الذمة في الإمامة ووجود الطاعة لكن هيهات أن تكون الإمامة سبباً وعنوانًا لخدمة المصالح الخاصة أو الشؤون الشخصية فإن كان له من خادم يخدمه كقنبر عليه الرحمة والرضوان فهو يعمل بأجره.
وعليه كان تلقي النص لدى هذه الشريحة وهم أبناءه مطلعون على حقيقة ونزاهة هذه الأموال فكيف لا يتلقون النص بأعلى درجات المقبولية.
ثالثاً: حينما يكون الأب -أي منتج النص عليه السلام- يتعامل مع ابني فاطمة عليهم السلام طيل فترة حياته بهذه الطريقة التي مرّ ذكرها فيصون حرمتهما ويذب عنهما ويعظمهما لمكانتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح من البداهة أن تسير هذه الشريحة -أي أبناء الإمام علي عليه السلام- على هذا النهج الإيماني والعقدي.
رابعاً: إن تفاعل هذه الطبقة مع ظاهر مقاصدية منتج النص في ابني فاطمة عليهم اسلام وجعل التولية لهما مرتكز على فهمهم بأن لمنتج النص مقاصديته المتعددة والموجهة إلى فئات أخرى ممن تتلقى النص؛ وإلا فهم مدركون لتعظيم حرمة الحسن والحسين عليهما السلام ويعلمون بهذا النهج الذي سار عليه منتج النص طيلة فترة حياته.
خامسًا: إن التسليم الكامل والتام لهذا النص -أي أمر التولية على المال- يرجع ايضاً إلى أنّ الحسن والحسين عليهما السلام هما الإمامان بعد أبيهما علي عليه السلام ومن ثم فلا مجال للمخالفة حتى لو لم يوصي عليه السلام بهذه التولية ولو من قبيل المجاز، وهو محال لما يترتب على الوصية من عناوين شرعية.
وعليه:
يصبح تفاعل أبناء علي عليه السلام مع هذه الوصية تفاعلاً تامًا ومنجزاً في الذمة لما ورد فيه من ايقاعات في عنوان النص وهو الوصية، وتجلي قصدية الأفعال المباشرة في النص[1].
الهوامش:
([1]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ج5/ ص 91-93.