بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
بين الإمام علي عليه السلام مسوّغات القتال من خلال نهج البلاغة وصورها بأدق التفاصيل وذلك بقوله:
«وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الحَقَّ، وَخَابَطَ الغَيَّ، مِنْ إِدْهَان وَلاَ إِيهَان»[1].
فقد وضح بأن الخروج للقتال إنما لنصرة الحق ودحض الباطل:
«أَمَا وَاللهِ إنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا، مَا عَجَزْتُ، وَلاَ جَبُنْتُ، وَإِنَّ مَسِيرِي هذَا لِمثْلِهَا، فَلأنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ»[2].
فيما قال عليه السلام:
«وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هذَا الاْمْرِ وَعَيْنَهُ، وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطنَهُ، فَلَمْ أَرَلِي إِلاَّ الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم»[3].
وقد أوضح ذلك المعنى مفصلاً في خطبة أخرى:
«وَقَدْ قلَّبْتُ هذَا الاْمْرَ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ، فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعْني إِلاَّ قِتَالُهُمْ أَوِ الْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله، فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ الْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ الْعِقَابِ، وَمَوْتَاتُ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ الآخِرَةِ»[4].
وقد جاء عن الإمام عليه السلام في أصحاب الجمل وتعليل قتاله لهم:
«فقدموا على عاملي بها وخُزّان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها فقتلوا طائفة صبراً، وطائفة غدراً فوالله إن لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلاً واحداً متعمدين لقتله، بلا جرم جره، لحل لي قتل ذلك الجيش كله إذ حضروه فلم ينكروا، ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد دع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم!»[5].
ثم يوصي الإمام عليه السلام المحاربين:
«أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها خير ما تواصي العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق، فأمضوا لما تؤمرون له وقفوا عندما تنهون عنه ولا تعجلوا في أمر حتى تتبينوا، فإن لنا مع كل أمر تنكرونه غيراً»[6].
فيما بين الإمام عليه السلام في معرض كلامه أن قتاله للناكثين والمارقين والقاسطين أنما هو أمر الله ثم يقول بعد ذلك ولو أذن لي الله أن أقاتلهم مرة أخرى لأفنيتهم:
«ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض، فأما الناكثون فقد قاتلت، وأما القاسطون فقد جاهدت، وأما المارقة فقد دوّخت. وأما شيطان الردهة[7] فقد كفيته بصعقه سمعت لها وجبة قلبه، ورجّة صدره، وبقيت بقية من أهل البغي، ولئن أذن الله في الكرّة عليهم لأُديلَنّ منهم إلا ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذراً»[8].
في حين أشار الى معنى آخر لسبب القتال بقوله:
((وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأيِي فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّ رَأْيِي قِتَالُ الْـمُحِلِّينَ حَتَّى أَلْقَى اللهَ، لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً، وَلاَ تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ ـ وَلَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ ـ مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً، وَلاَ مُقِرّاً لِلضَّيْمِ وَاهِناً، وَلاَ سَلِسَ الزِّمَامِ لِلْقَائِدِ، وَلاَ وَطِىءَ الظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ المُقْتَعِدَ، وَلكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سُلِيم))[9].[10]
صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي
فَيَشْمَتَ عَاد أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ
الهوامش:
[1]المصدر نفسه، خطبة (24)، 1/208.
[2] المصدر نفسه، خطبة (33)، 2/435.
[3] المصدر نفسه، خطبة (43)، 2/535.
[4] ابن أبي الحديد، خطبة (54)، 2/212.
[5]المصدر نفسه، خطبة (173)، 9/226.
[6] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، خطبة (174)، 9/241.
[7] الردهة: نقرة في صخرة يستنفع فيها الماء والجمع رده، الجوهري، تاج اللغة، مادة (رده)، 6/2232.
[8] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، خطبة (192)، 10/145.
[9] المصدر نفسه، خطبة (246)، 11/285.
[10] لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص 252-254.