بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
قوله تعالى: ﴿ فَأَوْجَس في نَفْسِهِ خِيفَةً مّوسى﴾
تعددت الآراء حول معنى خيفة موسى، إذ نقل السيد الطباطبائي بعض الآراء فيها.
فقد قيل: إنَّه خاف أن يلتبس الأمر على الناس فلا يميزوا بين آيته وسحرهم للتشابه فيشكوا ولا يؤمنوا ولا يتبعوه ولم يكن يعلم بعد أن عصاه ستلقف ما يأفكون.
وقيل: إنه خاف أن يتفرق الناس بعد رؤية سحرهم ولا يصبروا إلى أن يلقي عصاه فيدعي التساوي ويخيب السعي([1]).
ثم قال السيد الطباطبائي: "وكيفما كان يظهر من إيجاسه (عليه السلام) خيفة في نفسه أنهم أظهروا للناس من السحر ما يشابه آيته المعجزة أو يقرب منه وإن كان ما أتوا به سحراً لا حقيقة له وما أتى به آية معجزة ذات حقيقة وقد استعظم الله سحرهم إذ قال: ﴿... فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾([2]).
وهكذا فقد تعدد الآراء في معنى الخيفة لإطلاق اللفظ، وبالرجوع إلى كتاب نهج البلاغة نلمح أنَّ الإمام علي عليه السلام قد أوضح معنى الخيفة بقوله: " لم يوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال"([3]).
فقد بين عليه السلام أنَّ خيفة موسى عليه السلام ليس على أطلاقها، وإنما من غلبة الجهال واستيلائهم على الأمور.
وقد أفاد هذا المعنى السيد العلامة في تفسيره الميزان بقوله: وفي نهج البلاغة: " قال (عليه السلام): لم يوجس موسى خيفة على نفسه بل أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال، أقول: معناه ما قدمناه في تفسير الآية"([4]).
وقد تقدم الكلام أنَّ المفسر كي يتمكن من ولوج التفسير لابد له من جملة علوم مساعدة منها على سبيل المثال لا الحصر معرفة العام والخاص، والمجمل والمبين... وغيرها مما تقدم الكلام حولها، ومن تلك العلوم معرفة المطلق والمقيد، فالمطلق هو الدال على الماهية بلا قيد، وهو مع المقيد كالعام مع الخاص([5]).
لذا فأنَّ المفسر يحتاج إلى معرفة هذا النوع من العلم حتى لا يقع في مزالق التفسير الخاطئ؛ لأنَّ عدم تقييد بعض النصوص قد يستلزم الإساءة للذات الإلهية، أو لشخص نبي من الأنبياء او يؤدي إلى الخطأ في استنباط الأحكام الشرعية... وما إلى ذلك، فلا بد من صرف الذهن من اللفظ إلى بعض معانيه أو بعض أصنافه حتى يمنع من التمسك بالإطلاق، وهذا ما أوضحه الإمام علي عليه السلام في هذا المثال وغيره من الأمثله[6].
الهوامش:
[1] ظ: الميزان، 14/ 178.
[2] الأعراف، 116، الميزان، 14/ 178.
[3] نهج البلاغة، 1/ 39.
[4] الميزان، 14/184.
[5] ظ: الإتقان في علوم القرآن، 1/60.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص123-125.