.png)
مقالات وبحوث
بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ورد حديث الإمام علي عليه السلام مخاطباً أصحابه: ((خُمْصُ البُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ، مُرْهُ [1] العُيُونِ مِنَ البُكَاء))[2]. ورد التركيب الغريب الذي يلفت انظارنا في كلامه (خمُص البُطُونِ)، الخُمْص من الفعل(خَمَصَ)، قال الخليل: ((الخَمْص: خلاء البطن من الطعام)) [3].وقال ابن فارس ((الْخَاء وَالْمِيم وَالصَّاد أَصل وَاحِد يَدُلُّ عَلَى الضُّمْرِ وَالتَّطَامنِ. فَالخَمِيص: الضَّامِر الْبَطنِ؛ وَالْمَصدَر الْخَمص)) [4]. وذكر ابن سيدة من محاسن البطون: ((الهَيَف والخَمَص والقَبَب والتَّبْطِين.....، الهَيَف والخَمَص والقَبَب كُله وَاحِد وَكَذَلِكَ التبطين))[5]. ومن المجاز يقال: ((فلان خَمِيصُ البطنِ عن أَموال الناس أَي عَفِيفٌ عنها))[6].
فقوله (عليه السلام): ( خُمْصُ البُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ)، فالبَطْنُ مِنَ الإِنسان معروف خِلَافَ الظَّهْر وجمعها (بطون) [7]، والخَمْصُ: الجُوع[8]، أي: ضامرة البطون من الجوع مأخوذ من أخمص القدم، و((والأخمص: ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض))[9]، وبطن الجائع تتقعر كأخمص القدم. وعند تتبع السياق والقرينة اللفظية في حديثه الدال على (خُمْص البطون) تبين أنَّ هذا الاستعمال يصبُّ في معنى الدعوة إلى التعفف والزهد، ولذلك ذكر الإمام صفة المؤمنين بهذه الهيأة كي يكونوا أسوة لغيرهم. لقد كان الإمام في كل ذلك يتوخى رصانة الألفاظ، ودقة سبكها وصياغتها، وعلاوة على ذلك فإنها جاءت تحمـل معها عنصر الابتكار. ويلحظ لفظ بطن يكون من الاضداد بالمصاحبات اللغوية والسياق كما يقال: فلانٌ بطين، أي: كثير الأكل، وكذا (مبطانا) تعني عظيم البطن من الأكل، من (خمص البطون) قليل الأكل، أي: بمعنى جائعة[10].
الهوامش:
[1] والمُرْهَةُ، بالضم: البياضُ لا يُخالِطُه غيرُهُ). القاموس المحيط: (مَرَهَ)1/1253.
[2] النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/322، وينظر: غريب الحديث في بحار الأنوار: 3/411.
[3] العين: (خمص)4/191، وينظر: جمهرة اللغة: (خمص)1/605، وتهذيب اللغة: 5/72.
[4] مقاييس اللغة: (خَمَصَ)2/219.
[5] المخصص: 1/158.
[6] أساس البلاغة: (بطن) 1/670، وينظر: لسان العرب: (بطن) 11/458.
[7] ينظر: العين: (بطن)7/440-441، وجمهرة اللغة: (بطن) 1/360، ومقاييس اللغة: (بطن)1/.259.
[8] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/80.
[9] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: 3/1038.
[10] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 75 – 77.
