بقلم : السيد نبيل الحسني.
تمتاز المقبولية عند السيد حبيب الله الخوئي (رحمه الله) في شرحه لنهج البلاغة بعدّة نقاط أظهرت تفاعله وتأثره بالنص، وهي كالاتي:
1- أورد جملة من الأحاديث الشريفة والآيات المباركة التي أراد من خلالها بيان قصدية منتج النص(عليه السلام) بأن غرضه في خير نساء العالمين هي فاطمة (عليها السلام) حصراً.
2- إنّ إيراده لهذا الأستقراء في الروايات الشريفة والآيات المباركة هدفه أظهار هذا الاستحقاق الذي حظيت به البضعة النبوية من خلال جملة من الصفات الكمالية والايمانية.
بمعنى: لم تكن الخيرية التي وردت في الحديث ناتجة عن منزلة القرابة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما لجملة من الفضائل والكمالات التي نالتها بضعة النبي (صلى الله عليه وآله).
3- دفع بعض الشبهات وأجاب على التساؤلات التي ترد على ذهن المتلقي في المقارنة بينها وبين مريم ابنة عمران (عليهما السلام) لا سيما التي ورد فيها الذكر الحكيم في بعض الآيات التي استعرضها في استقرائه مبيناً أنها -أي: فاطمة (عليها السلام)- قد فاقت مريم في كثير من الصفات والكمالات ، ومن ثم فهي خير نساء العالمين.
4- بيَّن بعض الاوجه في معنى الاصطفاء، اي اصطفاء فاطمة (عليها السلام) على خير نساء العالمين وهن اللاتي ورد ذكرهن في الحديث النبوي الشريف، أي: خديجة وفاطمة (عليهما السلام) واظهر من خلال البحث العلة في اصطفائها (عليها السلام) على جميع النساء وإن علا ذكرهن وفضائلهن مبتغياً في ذلك قطع الطريق على المتأولين والرادين للحق والذين يكمتون ما أنزل الله من ا لبينات.
5- أظهر من خلال هذه السيرة العطرة لسيدة نساء العالمين وخيرهن فاطمة (عليها السلام) ما عرى الصورة الاخرى من القبح التي اعتلتها حمالة الحطب.
بمعنى: كي يدرك الانسان معنى الجمال فلابُدَّ له من أن يدرك معنىءئ القبح أيضاً؛ وهنا كان ممثلاً بهذا التفاوتات بين الصورتين، صورة خير نساء العالمين وصورة حمالة الحطب.
ولذا:
نجده (رحمه الله) يورد ما جاء على لسان المؤرخين والمفسرين في بيانهم لسيرة حمالة الحطب، فقال:
(حمالة الحطب: هي العوراء امّ جميل امرأة عبد العزّى المكنّى بأبي لهب بنت حرب أخت أبي سفيان عمّة معاوية الَّتي ورد فيها وفي زوجها قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وتَبَّ * ما أَغْنى عَنْه مالُه وما كَسَبَ * سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ * وامْرَأَتُه حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}[1].
وفي تفسير الدّر المنثور وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنّ امرأة أبي لهب كانت تلقى في طريق النّبيّ (صلى اللَّه عليه وآله) الشوك فنزلت {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وتَبَّ}.... {وامْرَأَتُه حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد {وامْرَأَتُه حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قال: كانت تأتي بأغصان الشوك تطرحها بالليل في طريق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
وأخرج ابن أبي الدّنيا في ذمّ الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {وامْرَأَتُه حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قال: كانت تمشى بالنميمة {فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} من نار.
وأخرج ابن أبي جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {وامْرَأَتُه حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قال:
كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض {فِي جِيدِها حَبْلٌ} قال: عنقها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قال: كانت تحمل النميمة فتأتي بها بطون قريش.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن عروة بن الزبير {فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قال: سلسلة من حديد من نار ذرعها سبعون ذراعا.
وفي التفسير الصّافي نقلا من قرب الأسناد عن الكاظم عليه السّلام في حديث آيات النّبي صلى اللَّه عليه وآله قال: ومن ذلك أنّ امّ جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبّت ومع النّبي أبو بكر بن أبي قحافة فقال: يا رسول اللَّه هذا أم جميل محفظة أم مغضبة تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به فقال صلى اللَّه عليه وآله: إنّها لا تراني، فقالت لأبي بكر: أين صاحبك؟، قال: حيث شاء اللَّه، قالت: لقد جئته ولو أراه لرميته فإنّه هجاني واللَّات والعزّى إنّي لشاعرة، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه لم ترك قال: لا، ضرب اللَّه بيني وبينها حجابا.
وقال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل: لأضحكنّك من عقيل فلمّا سلم قال معاوية: مرحبا برجل عمّه أبو لهب، فقال عقيل: وأهلا برجل عمّته حمّالة الحطب في جيدها حبل من مسد، قال معاوية: يا أبا يزيد ما ظنّك بعمّك أبي لهب قال: إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب أفناكح في النار خير أم منكوح قال: كلا شرّ واللَّه، نقله الشارح المعتزلي في الجزء الرّابع من شرحه على النهج (27 من الطبع الرحلي).
ونقل الشّيخ الأجل المفيد قدس سرّه في الإرشاد (ص173 طبع طهران 1377هـ): بعد السبب في قبول الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام الهدنة والصلح من معاوية ما هذا لفظه: فتوثق عليه السّلام لنفسه من معاوية بتوكيد الحجّة عليه والإعذار فيما بينه وبينه عند اللَّه تعالى وعند كافة المسلمين واشترط عليه ترك سبّ أمير المؤمنين عليه السّلام والعدول عن القنوت عليه في الصّلاة، وأن يؤمّن شيعته رضى اللَّه عنهم ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كلّ ذي حقّ منهم حقّه.
فأجابه معاوية إلى ذلك كلَّه وعاهده عليه وحلف له بالوفاء به فلمّا استتمّت الهدنة على ذلك سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة وكان ذلك يوم الجمعة فصلى بالناس ضحى النهار فخطبهم وقال في خطبته: واللَّه ما قاتلتكم لتصلَّوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكَّوا انكم لتفعلون ذلك ولكنّي قاتلتكم لأتامّر عليكم وقد أعطاني اللَّه ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإنّي كنت منّيت الحسن عليه السّلام أشياء وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له.
ثمّ سار حتّى دخل الكوفة فأقام بها أيّاما فلمّا استتمّت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس وذكر أمير المؤمنين عليه السّلام ونال منه ونال من الحسن عليه السّلام ما نال وكان الحسن والحسين عليهما السّلام حاضرين فقام الحسين عليه السّلام ليردّ عليه فأخذ بيده الحسن عليه السّلام وأجلسه، ثمّ قام فقال: أيّها الذاكر عليّا أنا الحسن وأبي عليّ وأنت معاوية وأبوك صخر وامّي فاطمة وامّك هند وجدّي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وجدّك حرب وجدّتي خديجة وجدّتك فتيلة، فلعن اللَّه أخملنا ذكرا وألأمنا حسبا وشرّنا قدما وأقدمنا كفرا ونفاقا، فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين آمين، انتهى قوله قدّس سره.
وروى قريبا منه المحدّث القمّي رضوان اللَّه عليه في مادّة حسن من سفينة البحار عن الشعبي، وقال الفاضل الشارح المعتزلي: إنّ هذا الحديث نقله الفضل بن الحسن المصري عن يحيى بن معين قال وقال الفضل: قال يحيى: آمين، وقال الفضل: أنا أقول آمين، وقال عليّ بن الحسين الاصفهاني آمين، وقال الشارح المذكور أنا أقول آمين، وكذلك كاتب هذه الأحرف الحسن بن عبد اللَّه الطبري الآملي يقول آمين آمين ويرحم اللَّه تعالى عبدا قال آمين)[2].
وعليه: فنحن نقول آمين ؛ ومن ثم فقد أجاد (رحمه الله) في نقل هاتين الصورتين كي يدرك الإنسان أي البيتين أراد الله تعالى اصطفائه وتكريمه ورفعه وأن يذكر فيه اسمه.
فقال عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} [ النور:36].[3]
الهوامش:
[1] سورة المسد.
[2] منهاج البراعة: ج19 ص142-144.
[3] ينظر: فاطمة عليها السلام في نهج البلاغة ، السيد نبيل الحسني : ج5 ص168-169 ، اصدار ونشر العتبة الحسينية المقدسة ، ط1 الكفيل 2016م